خلال الأسابيع القليلة الماضية، كانت كوريا الشمالية محط قلق واهتمام العالم، حيث أثارت قدراتُها النووية والصاروخية، إضافة إلى التصريحات القوية بشكل متزايد لبعض المسؤولين الأميركيين، ومن ذلك تصريحات للرئيس دونالد ترامب، مخاوفَ في العالم كله من إمكانية اندلاع حرب مفتوحة في شبه الجزيرة الكورية. ولئن كان المراقبون محقين في الشعور بالقلق بخصوص هذا الموضوع، فإن بذور حل دبلوماسي يمكن أن تكون بصدد التشكل -إنْ كانت إدارة ترامب رصينة ومنضبطة بما يكفي لاغتنام الفرصة، وإن كان خطاب البيت الأبيض التهديدي مدروساً كما ينبغي. وهما شرطان أساسيان من دون شك، إلا أن تهديد القوة العسكرية قد يدفع أيضاً كلا من الصين وكوريا الشمالية لبحث إمكانية قبول صفقات على نحو لم تكونا مستعدتين لقبوله من قبل. فلأكثر من عقد من الزمن، كانت كوريا الشمالية تعوّل على تفضيل بكين وسيئول وواشنطن للاستقرار النسبي والدبلوماسية على العمل العسكري من أجل إنهاء برنامجي كوريا الشمالية النووي والصاروخي، وذلك على أساس أن تهديد الأسلحة النووية الكورية الشمالية ينطوي بالفعل على خطر كارثي، ولكن مهاجمة كوريا الشمالية بغية منع تقدم برامجها تمثل كارثة حقيقية أيضاً. ذلك أن التقديرات بخصوص عدد الإصابات خلال الأيام الأولى من خوض تتمة أخرى للحرب الكورية تكفي وحدها لثني إرادة حتى أكثر الصقور تعطشاً للحرب. ومن جانبها، كانت الصين تراهن، على نحو صحيح، على أن الولايات المتحدة غير مستعدة لتعريض علاقاتها السياسية والاقتصادية مع بكين للخطر من أجل منع بيونج يانج النووية والمدججة بالسلاح من تطوير برامجها العسكرية. إذ تبين أن تصريحات الإدارات الأميركية المتعاقبة من أن أعمال كوريا الشمالية «غير مقبولة» لم تكن صحيحة، حيث كانت واشنطن مستعدة لقبولها من أجل عدم التأثير على الحيوية الاقتصادية والتوازن العسكري في المنطقة. ولو كانت هذه البرامج «غير مقبولة» حقاً، لشملت الجهود الرامية إلى إقناع الصين بالتخلي عن دعم كوريا الشمالية حظراً وعقوبات تجارية أقسى وأشد على الصين قبل وقت طويل. وعليه، فما الذي تغير الآن؟ الواقع أن الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون سرّع البرنامجين النووي والصاروخي وأعطاهما الأولوية أكثر مما فعل والده وجده. ذلك أنه إذا كان ثمة احتمال حقيقي لكون كليهما كانا مستعدين لمقايضة الصواريخ النووية بضمانات أمنية ومساعدات اقتصادية في العالم الحقيقي ضماناً لبقاء النظام، فإن الصواريخ المزودة بأسلحة نووية تمثل بوليصة تأمين بالنسبة لكيم جونغ أون. ويمكن القول إن العثور على شخص في أجهزة الاستخبارات الأميركية يعتقد أن كيم سيتخلى عن برنامجه النووي أمر صعب للغاية، بل قد يكاد يكون مستحيلًا. وهذا الشخص قد يكون موجوداً، ولكنه ليس شجاعاً بما يكفي للجهر بما يعتقده. وإلى هذه المواجهة الكورية، تضيف أميركا الآن أيضاً تغريدات ترامب القوية وتصريحات وزير الخارجية ريكس تيلرسون المضطربة والمتضاربة. كما أطلق أيضاً خليطٌ من الخطابات التصعيدية والتغطيات الإعلامية السيئة ديناميةً خطيرة في شرق آسيا. ونتيجة لذلك، فإن الناس في بكين وسيئول، وربما حتى في بيونج يانج، يشعرون بالقلق ويخشون أن يكون ترامب غير متعقل بما يكفي (أو يائساً سياسياً) للقيام بعمل عسكري استباقي. وما على المرء إلا أن يسأل أي خبير كوري حول عدد المكالمات التي تلقاها من الوالدين والأصدقاء وزملاء الدراسة السابقين يسألون ما إن كانت الحرب على وشك الاندلاع. بيد أن هذه المجازفة يمكن أن تؤتي أيضاً أكلها. إنها لعبة تصعيد كلاسيكية يستطيع فيها السائق المستعد للظهور والتصرف بشكل غير متعقل أن يحقق امتيازاً. فعلى رغم ما يقوله كثيرون منذ عقود، إلا أن الكوريين الشماليين حتى لو كانوا خطرين، فهم ليسوا مجانين. واليوم، على هذا النظام في بيونج يانج أن يشعر بالقلق بشأن المدى الذي يمكن لترامب الذهاب فيه قدماً في التصعيد. ذلك أن التقارير تشير إلى أن الصين أخذت تضغط على بيونج يانج بقوة أكبر مقارنة مع السنوات الماضية، وأن اليابان أخذت تستعد للتعاطي مع كوريا الشمالية في مرحلة ما بعد الحرب أو ما بعد الانهيار. وربما، أقول ربما، يؤتي الاضطراب أيضاً وعدم الاستقرار الذي يتسبب فيه ترامب أكله. ولكن ثمة مشكلة. ذلك أن لعب دور اللاعب غير المتعقل في لعبة التصعيد هذه يمكن أن يصب في مصلحتك إذا كنت في الحقيقة متعقلًا. فإذا كان الرئيس يُنتقد بسبب تغيير موقفه من مجموعة من مواضيع السياسة الداخلية والخارجية، من اتفاقية التجارة بين دول أميركا الشمالية «نافتا» إلى سوريا إلى الرعاية الصحية، فإن كوريا الشمالية هي الموضوع حيث من الحكمة التحدث بحزم مع عرض مَخرج دبلوماسي. التحدي الآن هو أن فريق ترامب، الذي ما زال يفتقر لمسؤولين رفيعين ولم يشرع في عملية إعداد السياسات إلا مؤخراً، أمامه العديد من الأجزاء المتحركة التي يتعين عليه أن ينسقها -مثلما يدل على ذلك فشله في معرفة ما إن كانت حاملة الطائرات «كارل فينسون» تبحر شرقاً أم غرباً. وبهذا الخصوص، كان أنصار ترامب مرنين، ويبدو أن لدى الرئيس الأميركي المجال لعقد صفقة مع «الشمال»، ونيل الإشادة عن ذلك. لقد ساهم ترامب في تحويل استعراضات كوريا الشمالية لقدراتها العسكرية إلى أزمة. والتحدي الآن هو تحويل الأزمة إلى حل. وفي هذا الإطار، ينبغي على إدارة ترامب أن تقرر ما إن كانت مستعدة للتفاوض مع كوريا الشمالية، إنْ لم تكن قد قامت بذلك منذ بعض الوقت، ولأي هدف؟ وهل الولايات المتحدة مستعدة للقبول بالتجميد كخطوة انتقالية نحو نزع أسلحتها النووية، أم أنه ينبغي أن يحدث التقدم دفعة واحدة؟ وإذا كان تجميداً، فكيف يمكن التحقق منه، وما الذي سيُسمح به وما الذي لن يُسمح به؟ وإذا كان التجميد هو الهدف، فكيف سيتعامل فريقُ ترامب مع تداعيات تجميدٍ يقبل بمستوى من القدرات النووية في «الشمال»، ويزيد من الضغوط المتزايدة أصلا من أجل أسلحة نووية في كوريا الجنوبية؟ ثم ما الذي ستكون الولايات المتحدة مستعدة لمنحه لكوريا الشمالية والصين، في المقابل؟ وكم ستستغرق هذه العملية؟ وهل الوضع النهائي سيكون استمرار حالة المواجهة والتوتر أم توازناً جديداً حقاً على شبه الجزيرة الكورية؟ الواقع أن هذه أسئلة صعبة للغاية. وعلى رغم الانتقادات الموجهة لمقاربة إدارة أوباما المتمثلة في «الصبر الاستراتيجي» (التي تشبه إلى حد كبير مقاربة الفريق الجديد، بغض النظر عما يريد البيت الأبيض تسميتها)، إلا أن الإدارة السابقة أمضت الكثير من الوقت في التخطيط لما سيحدث في حال فشلت الولايات المتحدة في شبه الجزيرة الكورية، وفي حال تمكنا من النجاح، على عكس ما تذهب إليه تنبؤاتنا. ومما لاشك فيه أنه قد آن الأوان لكي يضع فريق ترامب مخططات مماثلة. ---------------- جون وولفستل* ـ ـ ـ * خبير أميركي في حظر الانتشار النووي، وزميل مركز بيلفر للعلوم والشؤون الدولية بجامعة هارفارد ينشر بترتيب خصا مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»