الشباب هم آمال الأمم ومستقبلها وأهم الأصول التي تملكها أي دولة، ولا يخفى على أحد أن المنطقة العربية واحدة من أكثر المناطقة التي ترتفع نسبة الشباب في مجتمعاتها، ما يمنحها طاقةً مستقبليةً واعدةً يمكن تأهيلها واستثمارها لتحقيق التنمية في هذه المجتمعات ودولها. وقد خصص مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية مؤتمره السنوي الحادي والعشرين، عام 2016، لتسليط الضوء على الشباب ودوره في عملية التنمية، وعلى التحديات والمخاطر التي يواجهها في خضم الظروف التي تمر بها المنطقة. وجاء الكتاب الذي نعرضه هنا، وعنوانه «الشباب والتنمية»، ليضم أهم الأوراق البحثية المقدمة في المؤتمر، إذ تطرقت فصوله الخمسة إلى القضايا الرئيسية المتعلقة بدور الشباب والتنمية، حيث أبرزت سهام القبندي في الفصل الأول أهمية «الوعي السياسي للشباب ودوره في تنمية المجتمع»، وأوضحت أن الوعي السياسي يمثل وسيلة وغاية في آن معاً، فهو وسيلة ومجال يتيحان لأفراد المجتمع (وخاصة فئة الشباب) التعرف على آليات الممارسة الديمقراطية وكيفية المشاركة الفاعلة في الحياة السياسية للمجتمع، ما يسهم في بناء شخصيتهم ويُنمي ثقافتهم ويطور أنماط سلوكهم. وهو غاية أيضاً، إذ من شأن المشاركة السياسية أن تكسب الشباب مجموعة من الاتجاهات الإيجابية وتعينه على تعديل الاتجاهات السلبية، كما أنها تعزز ولاءهم للمجتمع وانتماءهم لمؤسساته، وتخلق لديهم القدرة على التفكير الموضوعي والتحليل والنقد البنّاء.. مما يكسبهم الكثير من المهارات والخبرات الجديدة التي تصب في خدمة مجتمعهم ولصالح تطويره. أما وسائل تشكل الوعي السياسي فأهمها، كما تذكر الباحثة، التوجيه المباشر، وتوفير الفرص لاكتساب المهارات والخبرات السياسية، علاوة على التعليم الذاتي ومتابعة الأحداث الجارية. وفيما يخص مستويات الوعي السياسي ومؤشراته، تتطرق القبندي إلى المستوى التنظيري وضمنه مرحلتان؛ مرحلة المعرفة والإدراك، ومرحلة الاهتمام السياسي. كما تناقش مستوى الممارسة الفعلية الذي تظهر معه مؤشرات الوعي كتعبير عن مدى إدراك الشباب لحقوقهم ووعيهم بواجباتهم حيال المجتمع والدولة، وعن درجة اهتمامهم بالقضايا العامة المثارة. أما أهم مصادر الوعي السياسي لدى الشباب، فهي المؤسسات الأولية المعنية بتنمية هذا الوعي، مثل: الأسرة، والمدرسة، والجامعة، ومؤسسات المجتمع المدني ووسائل الإعلام بمختلف أشكالها. وأخيراً ترى الباحثة ضرورة إيلاء عناية فائقة لتنمية الوعي السياسي لدى الشباب العربي، خاصة مع تزايد وتيرة العنف والتخلف الحضاري والانقسامات والصراعات السياسية في المنطقة العربية، إلى جانب المد الديمقراطي الطاغي في العالم.. بغية إعداد المواطن الصالح المتسلح برؤية ووعي مستنيرين، مما يحقق أهداف المجتمع ويسهم في تنميته والنهوض به في سائر المجالات. وتأكيداً على الدور الريادي للجامعة في بناء مجتمع المعرفة والتنمية الوطنية الشاملة، يستعرض عبدالله الكندي في الفصل الثاني من الكتاب أدوار الجامعات الخليجية في النهوض بأعباء التنمية ومجابهة التحديات التي تواجهها مجتمعات المنطقة، وذلك من خلال دراسة حالة جامعة السلطان قابوس في سلطنة عمان. ويرى الباحث أن الجامعات الخليجية الحكومية مدعوة للاطلاع بالدور الأبرز في عملية التنمية المجتمعية، لاسيما أنها جامعات تعكس التوجهات الوطنية، ومن ثم فبإمكانها أن تكون أداة مهمة ضمن أدوات التنمية التي تعول عليها الدول، وعلى إسهاماتها في تحقيق التنمية والتنمية المستدامة. ويستعرض الفصل الثالث من الكتاب طرائق استثمار الإعلام الرقمي ووسائل التواصل الاجتماعي في تنمية الشباب وترشيد أدواره وطاقاته، حيث يلقي علي سبكار الضوء على دور مؤسسات التنشئة الاجتماعية في تنمية الشباب، ويدعو إلى العمل على إطلاق استراتيجية خليجية موحدة تتضمن خطة تنفيذية تكفل استثمار مواقع الإعلام الاجتماعي في تنمية شباب المنطقة. ويؤكد سبكار أن الشباب الخليجي بحاجة إلى استخدام شبكات التواصل الاجتماعي لرفع مستوى الوعي بالقضايا التي تمس المجتمع، ولتحفيز التفكير الإبداعي لتطوير مختلف القطاعات، وتعزيز مستويات التواصل والابتكار والتأثير، ورفع مستوى التفاعل والتغيير الإيجابي الذي يمكن لوسائل الإعلام الاجتماعي إحداثه في المجتمع، مما يزيد أهمية الاستخدام الإيجابي لهذه الوسائل والحضور الفعال والمؤثر على صفحاتها. أما الشيخ خالد بن خليفة آل خليفة فيستعرض في الفصل الرابع التجربة البحرينية في تمكين الشباب، ويرى أنها تجربة تختلف قليلاً عن تجارب دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى في تمكين الشباب، حيث اعتمدت في البداية على القطاع الأهلي، إذ كانت أول مدرسة في البحرين مدرسة أهلية، وقد اهتمت بكثير من النشاطات الداعمة لقطاع النشء والشباب. ويستعرض هذا الفصل بعض المحاور المتعلقة بتمكين الشباب في مملكة البحرين، مثل: المشروع الإصلاحي، ومنطلقات رؤية 2030، ومبادرات تمكين الشباب. كما عرّف الفصل بدور الرؤية الاقتصادية 2030 في تمكين الشباب تنموياً، واستعرض أهم المبادرات التي أطلقتها مملكة البحرين لتنمية الشباب وتعزيز دورهم مجتمعياً. وأخيراً تتطرق حاجة وسيطة بنت حاج محمد يوسف، في الفصل الخامس من الكتاب، للتجربة الماليزية من خلال مناقشة دور «مؤشر الشباب الماليزي» بوصفه أداة قائمة على النتائج في إدارة سياسة الشباب الماليزي. وفي هذا الفصل تؤكد الباحثة أن الاستثمار في الشباب يجب أن يتم بطريقة مدروسة ويمكن قياس نتائجها، ولذلك فإن ماليزيا تستخدم مقياساً قائماً على النتائج لتقييم البرامج المعنية بالشباب والتنمية في البلاد. وقد أجرت وزارة الشباب والرياضة الماليزية دراسة لتقييم مستوى رفاه جيل الشباب في ماليزيا بناءً على عوامل تشمل: الانتماء، والهوية، والصحة، والرخاء، والقيادة، والتطوع، والبحث، والابتكار، والعمل، والمهنية، وتقدير الآخرين. وقد استند مؤشر الشباب الماليزي في عام 2015 إلى نتائج هذه الدراسة، وأصبح بالنسبة للمسؤولين الماليزيين معياراً ونقطة انطلاق، واستخدموه في محاولاتهم تلبية احتياجات تنمية الشباب الماليزي الحالية ولمعرفة التحديات التي يواجهونها، ولبلورة الإطار التوجيهي لبرامج وسياسات تنمية الشباب في البلاد. كما أصبح هذا المؤشر مقياساً للإدارة القائمة على النتائج التي أثبتت كفاءتها في تقييم برامج تنمية الشباب الماليزي. محمد ولد المنى الكتاب: الشباب والتنمية المؤلفون: جماعة تاريخ النشر: 2017 الناشر: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية