لمرة واحدة، كانت استطلاعات الرأي على حق. في الانتخابات الرئاسية الفرنسية، كانت المسافة بين المتنافسين الرئيسيين صغيرة، لكن المرشح المستقل من يسار الوسط «إيمانويل ماكرون» جاء في المقدمة، تليه زعيمة الجبهة الوطنية مارين لوبان، وسيخوضان الجولة الثانية التي من المتوقع أن يفوز بها ماكرون، ومن جانبه، فقد أيد فرانسوا فيون، السياسي المحافظ، ماكرون. وفي جوهرها، كانت الاضطرابات على اليمين واليسار في فرنسا قوية بما يكفي لزيادة الانقسامات داخل الأحزاب السياسية التقليدية (بمساعدة مالية روسية)، بيد أن تشكيل ائتلاف حاكم هو مسألة أخرى، وخلافاً لما حدث في الولايات المتحدة، حيث كان الجمهوريون يتبعون بشكل معتدل المرشح في حينه دونالد ترامب، فقد انحاز الآن المحافظ التقليدي في فرنسا لمرشح يسار الوسط على حساب المرشح المؤيد للفاشية، فإذا فعل ناخبوه نفس الشيء، سيكون هناك انتصار مدوٍّ للوسطية. ويتساءل المرء عما كان سيحدث في الولايات المتحدة لو اتحد المحافظون التقليديون ضد المرشح الذي يطرح التطرف وكراهية الأجانب. لقد أثار انتخاب ترامب في الولايات المتحدة الخوف في بعض المناطق من موجة شعبوية غربية، بيد أن انتخابه ربما يكون دليلاً على ذروة كراهية الأجانب والحمائية والحركات القومية. ومنذ انتخاب ترامب، خسر المرشحون اليمينيون في النمسا، وفي الانتخابات المحلية الألمانية وفي هولندا. ورغم فوز بريكست المزعج، فإن أياً من الساسة الذين كانوا يؤيدون «مغادرة الاتحاد الأوروبي» لم يتول رئاسة الوزراء، وبدلاً من ذلك فإن المحافظة «تيريزا ماي»، التي كانت تؤيد معسكر «البقاء في الاتحاد الأوروبي»، هي التي تقود بريطانيا خارج الكتلة الأوروبية. لقد كان ترامب بمثابة تعزيز لسياسة اليمين المتطرف، سواء في هولندا أو انتخابات الكونجرس في المنطقة السادسة بجورجيا. وعبّر ترامب عن إعجابه بـ«لوبان» في تغريدة له على تويتر، وسيشعر بخيبة أمل كبيرة جراء انتخابات الجولة الأخيرة، التي تمنع حدوث تحول لا يمكن تصوره في الأحداث. وعلى أي حال، فإن فرنسا – وكذلك الاتحاد الأوروبي والناتو اللذين يدعمهما ماكرون– تجنبت مشكلة خطيرة جداً، حيث إن أوروبا ليست مستعدة تماماً للتخلي عن الديمقراطية والتسامح والعقل، وكما كتب «جيفري جيدمين» و«جوشوا مورافيشيك» مؤخراً في صحيفة «واشنطن بوست»، فإن «السماء لم تسقط بعد. لكن إذا تفكك الاتحاد الأوروبي اليوم، فمن المتوقع ازدياد الحمائية، والقومية المتعصبة، والمشاعر المناهضة لأميركا في أنحاء القارة. هذا إلى جانب الاعتماد على مزيد من التأييد الروسي في أوروبا لدعم القوى المناهضة للديمقراطية». وهناك كتلة حرجة، في كل من الولايات المتحدة وفرنسا، للقومية المتطرفة في أوروبا، بيد أن الخطر أبعد ما يكون عن الانتهاء، وفي فرنسا يجب أن تكون شعبية لوبان بين الشباب الذين يواجهون معدل بطالة مرتفعاً للغاية، علامة تحذير. والمحافظون التقليديون الذين يتغنون بالثناء على الرأسمالية غير المخففة (فيون في فرنسا، والحزب الجمهوري في الولايات المتحدة) قد يجدون صعوبة في العثور على جمهور، وعلى اليمين أصبحوا محاطين بكراهية الأجانب، ومكافحة التجارة الحرة، وعلى اليسار يقفون ضد وعد الحكومة بالتدخل لتلبية احتياجات أولئك الذين لم ينتقلوا إلى اقتصاد عالمي عالي التقنية. إن أفضل كابح ضد ديماغوجية اليمين المتطرف هي ديمقراطية غربية سليمة. ويؤيد ماكرون، الاشتراكي السابق، إصلاحات مثل خفض معدل الضريبة الهامشية العليا وتبسيط البيروقراطية الفرنسية، وقال خلال حملته الانتخابية: «إن الدفاع عن الطبقات الوسطى يتطلب مواجهة انعدام الأمن». إنه يقدم شيئاً جديداً، حيث يتطلع إلى المستقبل ويستجيب لرغبة الناخبين في اقتصاد أكثر حيوية. وفي نهاية المطاف، سوف يعتمد نجاح ماكرون وقدرة فرنسا على عزل الجبهة الوطنية على زيادة الفرص والحكم الرشيد، وبالمقابل فإنه عندما تنبت البطالة والركود والفساد، يتجذَّر التطرف عادة. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»