عندما اجتمع الرئيس دونالد ترامب ومساعدوه «الذكور» لاتخاذ قرار بشأن قطع التمويل عن برامج صحة المرأة في الخارج، وصفوا هذا التحرك بأنه خطوة «داعمة للحياة»! وأود أن أخبركم عن تداعيات ذلك هنا في هاييتي، حيث أنا الآن، فالنساء الفقيرات يعانين من إصابات مروعة وآلام وأمراض قاتلة. وعندما لا يكون لدى النساء والفتيات سبيل إلى الحصول على رعاية صحية وطرق فعالة لتنظيم الأسرة والصحة الإنجابية، فمن المرجح أن يعانين من أحوال صحية، تكون لها تداعيات خطيرة على الصحة الإنجابية وعلى الرحم. وقد يعانين أيضاً من تقرّحات، وإصابات عند الولادة، تتمخض عن أمراض أخرى خطيرة. وفي إحدى القاعات هنا في عاصمة هاييتي، تنتظر نساء يعانين من سرطان الثدي أو عنق الرحم الممرضات كي يفحصن أجسادهن المتقرحة. وعلى الرغم من ذلك، يبدين شجاعة بطولية في رفضهن التام للاستسلام للمرض. ولا أقصد طبعاً أن هذه الظروف المروّعة تسببت فيها السياسات الأميركية، ولكن ترامب يقطع الآن التمويلات كافة عن كثير من المنظمات التي تعمل بكل اجتهاد من أجل الحيلولة دون وقوع مثل هذه المعاناة في أميركا. وبداية جاء «قانون التكميم السياسي»، الذي يضع حداً لتمويل المنظمات كافة التي تقدم المساعدات إلى منظمات الرعاية الصحية في الخارج، والتي ترتبط بطريقة ما بالإجهاض، بما في ذلك تلك التي تقدم نصيحة تذكر الإجهاض من بين خيارات أخرى. وتلزم هنا الإشارة أيضاً إلى قرار ترامب قطع أي تمويل تقدمه الولايات المتحدة إلى «صندوق الأمم المتحدة للسكان»، على الرغم من أن هذه المنظمة لا علاقة لها بعمليات الإجهاض، وإنما تضطلع بدور جوهري في الجهود العالمية الرامية إلى رعاية صحة المرأة. وتقول «هولدي فليوريلوس»، وهي مسؤولة تمريض في منظمة «إنوفيتنج هيلث إنترناشيونال»، التي تدير مركز السرطان الذي قمت بزيارته: «إذا قلّ تمويل صندوق الأمم المتحدة للسكان، فإن كثيراً من النساء الفقيرات في هاييتي سيتعرضن للموت»! وكذلك أعرب الدكتور «رايموند فلوريمون»، المدير الطبي لمستشفى «إساي جينتي» للولادة، عن صدمة مماثلة، قائلاً: «إذا توقف صندوق الأمم المتحدة للسكان عن أداء دوره، فإن هذا المستشفى المعني بحماية الأمهات سينهار، وسيصاب بشلل كامل، وسيموت مزيد من النساء». وأما خبير الصحة النسائية، الدكتور «راهيل ناردوس»، فقد تحسّر قائلاً: «يا له من كابوس!»، محذراً من أن ضعف تمويل الصندوق يعني تفشي مزيد من الأمراض المزمنة لدى النساء. وقد دفع «الجمهوريون» باتجاه قطع التمويل عن الصندوق، اعتقاداً منهم بأنه قد تعاون مع الحكومة الصينية في عمليات الإجهاض القسرية هناك. ولكنني عشت في الصين لسنوات، وكتبت كثيراً من التقارير حول ذلك الموضوع، وأتصور أن المنتقدين كافة للصندوق مخطئون. وبالطبع، اعتمدت الصين على عمليات «العقم القسري» والإجهاض القسري. وفي البداية كان «صندوق الأمم المتحدة للسكان» غير مدرك للأمر، وفي عام 1983، منح من دون وعي ميدالية ذهبية لمسؤول صيني أشرف على عمليات إجهاض قسرية! غير أن ذلك كله أصبح الآن ضرباً من التاريخ، فعلى مدار عقود، مارس الصندوق ضغوطاً قوية على الصين لإنهاء عمليات الإجهاض القسرية. وعلاوة على ذلك، أقنع الصندوق أيضاً الصين في عام 1992 بالتحول إلى طريقة أكثر فاعلية في تنظيم الأسرة، باستخدام «اللولب الرحمي»، متفادياً بذلك زهاء نصف مليون حالة إجهاض سنوياً. ويعني ذلك أنه طوال تلك السنوات، منع الصندوق حدوث 12 مليون حالة إجهاض هناك، فهل تستطيع أي منظمة أخرى تكافح ضد الإجهاض مضاهاة هذه الجهود؟ والمتأثرون بقطع ترامب للتمويلات عن برامج صحة المرأة هم في الغالب أشخاص مثل «دارلينج ليونس»، وهي فتاة حامل، في السادسة عشرة من عمرها، التقيتها عندما ذهبت لفحص حملها، في إحدى عيادات اليوم الواحد، التي تم تأسيسها في منطقة نائية جنوب شرق هاييتي، بدعم من صندوق الأمم المتحدة للسكان، وكانت هذه هي المرة الأولى التي تتعامل فيها «دارلينج» مع طبيب أو ممرضة في حياتها. ولم تذهب الفتاة أبداً إلى المدرسة، ولا تستطيع القراءة أو الكتابة، ولم تسمع أبداً عن وسائل منع الحمل، وعلى الرغم من ذلك خضعت لأول فحص طبي لها، وتم تشجيعها على الولادة في المستشفى بدلاً من الاستعانة بقابلة في قريتها. ونصحتها الممرضة بالرضاعة الطبيعية، وأعطتها فيتامينات، وأرشدتها بشأن وسائل منع الحمل. وطبعاً لا علم للسياسيين في واشنطن بخفايا الأمور التي تجري عندما يتم تهميش النساء، وتمنع عنهن الرعاية الصحية الملائمة. نيكولاس كريستوف محلل سياسي أميركي يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»