لدى الولايات المتحدة واليابان فرصة تاريخية لتشكيل شراكة قوية من أجل مواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية المتصاعدة في القارة الآسيوية، حسبما يرى مسؤولون بارزون في كلا البلدين، بيد أن إدارة ترامب تُجازف بتضييع تلك الفرصة بسبب إخفاقها في تقبّل وجود حاجة إلى استراتيجية شاملة. وتتقاسم إدارتا الرئيس دونالد ترامب ورئيس الوزراء «شينزو آبي» مصالح أساسية وقيماً وأهدافاً سياسية مشتركة، بطريقة تمهد السبيل أمام أوثق تعاون ثنائي منذ الحرب العالمية الثانية. ويحتاج الحليفان إلى العمل معاً من أجل التعامل مع الصعود الصيني، ومواجهة خطر كوريا الشمالية، وإدارة وضع النمو الاقتصادي المتفجر في جنوب شرق آسيا. الحكومة اليابانية لديها تصور لخطة استراتيجية من شأنها أن تحلّق في الآفاق، وتشمل منطقة آسيا والدول المطلة على المحيط الهادئ، إلا أن فريق ترامب حتى الآن لا يتحدث سوى عن أزمة كوريا الشمالية، وقضايا ثنائية محدودة. وعلى صعيدي الأمن والاقتصاد، يطالب اليابانيون الولايات المتحدة بالتفكير بصورة أوسع وأشمل بشأن ما يمكن إنجازه. وعلى صعيد الأمن، يوافق الجانبان على أن اليابان ينبغي أن تتولى دوراً أكثر تأكيداً، وتتابع توجهها القائم منذ عقود لتصبح دولة طبيعية ومستقلة وقادرة على الاعتماد على نفسها بدرجة أكبر. وأخبرني «مايك بنس»، نائب الرئيس الأميركي، الذي زار اليابان الأسبوع الماضي، أن إدارة ترامب تؤيد من كل قلبها دفع «آبي» لليابان كي تتحمل مزيداً من المسؤوليات الدفاعية. وأضاف «بنس»: «إن الرئيس يودّ لو أن اليابان وحلفاء الولايات المتحدة الآخرين في العالم أضحت لديهم القدرة على الاضطلاع بدور أكبر في دفاعنا المشترك، وأن يتحملوا ذلك العبء، وأتصور أن ذلك يتسق مع تطلعات الشعب الياباني»، موضحاً أنه أثار مسألة تقاسم العبء المالي مع «آبي» مباشرة في اجتماعهم. وبالنسبة لليابان، فإن دفع مزيد من الأموال لاستضافة قوات أميركية هو جزء فقط من المناقشة. ومثلما أشار نائب وزير الدفاع الياباني «تارو آسو» بعد لقاء «بنس»، «إن اليابان تدفع بالفعل حصة كبيرة من تكلفة استضافة قوات أميركية أكثر بكثير من أية حليفة أوروبية أخرى». وفي الحقيقة، أكد وزير الدفاع الأميركي «جيم ماتيس» في طوكيو، فبراير الماضي، أن الدولة نموذج يحتذى به في ذلك الجانب. وما يريده «آبي» هو أن تبني اليابان القدرات العسكرية اللازمة لمجابهة كوريا الشمالية وكذلك الصين، من خلال الحصول على قدرات هجومية، على سبيل المثال، وتوسيع الدفاعات الصاروخية اليابانية، غير أنه يواجه صعوبات سياسية محلياً في تحقيق ذلك، ومن الممكن أن يتطلب الأمر التزامات مالية لا يمكن للموازنة اليابانية تحملها، ولكن المشروع سيستفيد إذا حصل على دعم أكبر من واشنطن. وتريد طوكيو أيضاً أن تتعاون مع واشنطن من أجل تعزيز النظام العالمي، الذي يرتكز على قواعد وقوانين في مواجهة التجاوزات الصينية في بحر الصين الجنوبي وبحر الصين الشرقي، وكذلك التوسع العسكري الصيني في أنحاء غرب المحيط الهندي، ويمثل الأمن البحري أولوية قصوى لليابان. وتسعى إدارة ترامب إلى تحسين العلاقات مع الصين، وثمة مخاوف من أن العلاقات مع الحلفاء البارزين، ومن بينهم اليابان، من الممكن أن تتأثر نتيجة ذلك السعي. وثمة قلق آخر من أنه بالاعتماد بقوة على بكين في حل مشكلة كوريا الشمالية، يمكن أن تخسر الولايات المتحدة مراقبة الديناميكية الإقليمية، وتنصاع لسلة واسعة من السلوكيات الصينية التي تعتبرها سيئة. وقال لي «كينتارو سونورا»، نائب وزير الخارجية الياباني، «إن على اليابان والولايات المتحدة معالجة تلك القضايا»، منوّهاً إلى أنه من المهم جداً بالنسبة لليابان أن تعرف ما هو نوع الإجراءات التي ترغب الولايات المتحدة في اتخاذها، وما إذا كانت راغبة في الوقوف إلى جانبنا أم لا. وأخبرني عدد من المسؤولين اليابانيين أنهم ليس لديهم محاورون في إدارة ترامب بعد، لكن رسالتهم إلى الولايات المتحدة واضحة، ومفادها أنه: «في حين أن الأزمة قصيرة الأمد هي كوريا الشمالية، فإن المشكلة طويلة الأجل هي الصين، ولا ينبغي أن يضحي التحالف بالمستقبل من أجل الحاضر». وأما على الصعيد الاقتصادي، فإن الولايات المتحدة تفكر بالمثل بطريقة محدودة أكثر من اليابان، وقد أطلق «بنس» و«آسو» حواراً ثنائياً جديداً واتفقا على إطار عمل أساسي. وعقب انسحاب ترامب من اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ، ليست ثمة رسالة واضحة بشأن النتيجة التي تريدها واشنطن. وأشار «بنس» إلى أنه يمكن عقد اتفاقية تجارية ثنائية في وقت ما في المستقبل، ولكن اليابانيين يرغبون في التفكير بطريقة أكبر. وتحقق الدول الآسيوية نمواً ضخماً، خصوصاً في جنوب شرق آسيا، وتتقاسم الولايات واليابان مصلحة مشتركة تتمثل في ضمان أن التجارة والاستثمار يرتكزان على نظام أساسه القواعد، مثلما كانت متصوراً في اتفاقية الشراكة عبر الهادئ، وبالحفاظ على جوهر تلك الاتفاقية، كان من الممكن للاقتصادات الحرة التي تقدر العمالة والمعايير الأخرى أن تتنافس، بحسب «سونورا». وقد أرسى ترامب و«آبي» علاقة شخصية طيبة، وهناك ثقة في أن الطرفين يمكنهما البناء على تلك العلاقة، بيد أنه ما لم يعرف التحالف من أين يبدأ استراتيجياً، فلن يكون هناك طريق واضح لتحقيق النتائج المرجوة. ولدى اليابانيين أفكارهم، وعلى فريق ترامب الآن أن يبادر باتخاذ خطوة إلى الأمام. جوش روجين كاتب أميركي يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»