الهجوم الصاروخي، الذي أمر الرئيس ترامب بشنه على مطار عسكري يقع تحت سيطرة النظام السوري، قُدّم للجمهور على أنه عمل انتقامي موجه ضد الرئيس السوري بشار الأسد، لقيامه، كما زُعم، بشن هجوم كيماوي على بلدة خان شيخون. والأدلة التي تجمعت خلال الاثني عشر يوماً الماضية، تبين أن الضربة الصاروخية، لم يكن لها تأثير على تصميم الأسد وحليفه الروسي، الرئيس فلاديمير بوتين، على مواصلة قصف الإرهابيين الموجودين في المنطقة، للقضاء عليهم تماماً. أما على الجبهة الداخلية، فيمكن القول إن الضربة قد حققت نصراً واضحاً لترامب. والهجوم الذي وقع بصواريخ توماهوك، صباح يوم السابع من أبريل الجاري، أسفر عن مصرع تسعة من جنود جيش الأسد، ودمر، وفقاً لموقع على الإنترنت يعتبر موالياً للأسد نسبياً، وهو موقع «مصدر»، 9 طائرات ميج-23 قديمة. والأعمال العسكرية التي وقعت عقب الهجوم، جرى توثيقها من قبل «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، الذي يتخذ من بريطانيا مقراً له، والذي يجمع تقرير من مصادر على الأرض، ويحاول التأكد من مدى مصداقيتها. كان هناك بالكاد توقف في العمل في قاعدة الشعيرات. ففي وقت لاحق من نفس اليوم، انطلقت الطائرات الحربية التابعة للنظام، من تلك القاعدة، وشنت هجوماً جوياً على مواقع «داعش» في الريف الشرقي لمدينة حمص. كما ضربت بلدة خان شيخون ذاتها بصاروخ جو- أرض، وإن لم يكن معروفاً ما إذا كان الصاروخ قد أطلق من طائرة روسية أو طائرة تابعة للنظام السوري، حسبما قال مصدر في المرصد السوري لحقوق الإنسان. كما قامت الطائرات السورية والروسية كذلك، بشن غارات على ريف إدلب، وريف حماة أكثر من 150 مرة. وكانت بلدة خان شيخون من البلدات التي ضربت بالقنابل، والصواريخ، والقذائف، التي سقطت في صورة كتل من اللهب على المناطق المستهدفة، مما تسبب في اندلاع الحرائق فيها. وفي السابع عشر من أبريل، تعرضت خان شيخون للمزيد من الضربات، وفي الثامن عشر، تعرضت إدلب القريبة منها، للاستهداف مرة أخرى، كما قصف نظام الأسد الريف الشمالي لمحافظة حماة، القريبة من خان شيخون أيضاً. لم ترد تقارير عن أي استخدام للغاز في هذه الهجمات، كما لم يتسن الحصول على إحصاء دقيق بأعداد الضحايا. ولكن تلك الضربات أثبتت أن البراميل المتفجرة، والصواريخ، تستطيع أن تلحق دماراً بالمدنيين، يعادل ذلك الذي يمكن أن يلحقه الغاز، الذي ربما لم يستخدمه الأسد بالضرورة، أو ينوي استخدامه في المستقبل، على أي حال. والدعم السوري في المنطقة لم يتقلص. ففي الإيجاز العسكري الروسي يوم 11 أبريل، قال العقيد سيرجي رودسكوي إن «القوات الجوية الروسية تواصل دعم جيش الأسد، وقوات الميليشيات التي تحارب ضد داعش وجبهة النصرة المتمركزة في منطقة إدلب». من جانبها، مضت الولايات المتحدة قدماً، في تنفيذ أولوياتها في سوريا. ففي 18، و19 أبريل على سبيل المثال، وجهت الولايات المتحدة 21 ضربة في سوريا ضد أهداف تابعة لـ«داعش». وقامت المجموعة المسماة Airwars التي ترصد نشاط القصف الجوي في سوريا، بنشر تقرير زعمت فيه أن الخسائر المدنية جراء هجمات التحالف في سوريا والعراق قد وصلت إلى 637 حتى الآن هذا الشهر، وهو ثاني أكبر معدل خسائر منذ أن تولى ترامب منصبه. أما النظام السوري، وبعد أن عاني من خسائر لا تكاد تذكر، جراء صواريخ «توماهوك»، فقد مضى قدماً في تنفيذ المهمة المنوطة به، الخاصة باستعادة الأراضي التي استولى عليها «داعش»، متسلحاً هذه المرة بدوافع انتقامية. إن الهجوم الصاروخي على قاعدة الشعيرات، يمكن أن يحسب بثقة على أنه تبديد ضئيل نسبياً لموارد الولايات المتحدة، وانفجار كبير من الهواء الساخن- إذا ما كان المقصود مدى تأثيره على سوريا. أما ترامب فهو يخوض معركة سياسية داخلية أيضاً. فصواريخ توما هوك ألحقت دماراً بالميديا الأميركية، أكبر من ذلك الذي ألحقته بالشعيرات، وهو ما يقوض الرواية الثابتة التي دأبت تلك الميديا على ترويجها عن اصطفاف ترامب مع فلاديمير بوتين. وقد أدى ذلك إلى أن التحليلات الخاصة بروابط ترامب بروسيا، قد أفسحت المجال لتحليلات عن تقلبات ترامب التي يصعب التنبؤ بها، ركزت على أن ترامب يبدو مستعداً للذهاب في الدفاع عن«خطوطه الحمراء» لمسافة أبعد كثيراً من باراك أوباما، كما امتلأت الميديا بتكهنات عديدة، بأنه – ترامب- سيكون رئيساً «جمهوريا» تقليدياً أكثر مما توقع معظم الناس، وهو ما يمكن أن يثير قلق قواعده الانتخابية. ولكن لا يزال هناك الكثير من الوقت حتى موعد حلول الانتخابات التالية، وبالتالي ليس هناك ما يدعو ترامب للاهتمام أكثر مما يلزم بقلق تلك القواعد. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»