أثار الاستفتاء التركي الذي جرى يوم الأحد 16 أبريل ضجَّة إعلامية، إقليمياً ودولياً. بل حتى قبل إجراء الاستفتاء كان هناك عدة أزمات دولية بين تركيا وبعض الدول الأوروبية، مثل: هولندا، وألمانيا وحتى النمسا المصنفة دولياً كدولة محايدة. كانت الأزمة في الداخل التركي أعمق، كما تدل على ذلك نتائج الاستفتاء الذي فاز بأغلبية ضئيلة للغاية: 51.41% نعم في مقابل 48.59% لا، وهو يعكس مجتمعاً غاية في الانقسام في الحقيقة ظهر الانقسام وبعنف في البرلمان التركي نفسه، حيث تم قذف وعاء زرع لكنه لم يُصب أحداً، ولكن اشتكى أحد النواب من أنه أُصيب بعضةٍ في ركبته! لماذا كل هذه الانقسامات والعصبية داخلياً ودولياً، فيما يتعلَّق بشأن محلي لدولة معينة؟ وما هو أهم محتويات هذا الاستفتاء الذي يثير كل هذه الضجة؟ بداية ليس موضوع هذا الاستفتاء والنية في عقده حديث الأمس القريب، فقد بدأ الحديث عنه علانية بين الأحزاب السياسية في سنة 2005، تراوحت التحالفات الحزبية وأحياناً صيغ التعديلات المقترحات، ثم استقرت التعديلات المقترحة على 18 مادة في ديسمبر سنة 2016 من أصل تعديل 21 مادة من الدستور التركي. أهم هذه التعديلات التي تم الموافقة عليها في الاستفتاء هي: 1- تم إلغاء منصب رئيس الوزراء ليحل محله نائب أو أكثر لرئيس الجمهورية. 2- يصبح رئيس الجمهورية أيضاً رئيس الجهاز التنفيذي ويستمر انتماؤه الحزبي. 3- حسب هذه التعديلات يتمتع رئيس الجمهورية بمزايا تنفيذية ضخمة: فهو يعين الوزراء، يعد ميزانية الدولة، يختار أغلبية القضاة، وتصدر بعض القوانين منه فقط. 4- وهو أيضاً الوحيد المخول له إعلان حالة الطوارئ وحل البرلمان. 5- ولكن البرلمان يستطيع بالأغلبية البسيطة وضع الرئيس موضع التحقيق وحتى القيام بإجراءات لتنحيته، ولكنه يحتاج لأغلبية الثلثين لتقديمه للمحاكمة. هناك بعض التعديلات الأخرى ذات الطبيعة الإجرائية المحددة، مثل زيادة عدد أعضاء البرلمان من 550 إلى 600، وأن الانتخابات البرلمانية والرئاسية تجري في نفس اليوم كل خمس سنوات. النقطة المهمة أن هذه التعديلات - خاصة في توجهها الرئاسي - تستنسخ الكثير من النظام الأميركي، ولكن دون أن يكون هناك المقابل: ألا وهو المحاذير القانونية اللازمة التي لها الشجاعة للوقوف في وجه الرئيس، ولها من الإمكانيات القانونية الحقيقية لمنع تنفيذ قراراته - كما حدث أخيراً في إجبار الرئيس ترامب على وقف قراراته فيما يتعلق بالهجرة وتأشيرات الأجانب، خاصة من بعض الدول ذات الأغلبية المسلمة. وقد يكون هذا مربط الفرس كما يُقال، والذي يشرح أن نتيجة الاستفتاء هي فوز بطعم الهزيمة على الرغم من الدعاية المكثفة من جانب السلطة، وحتى بعض المحاولات المتكررة لتقييد الأصوات المعارضة وإحباطها. هو بمثابة نجاح طالب بدرجة مقبول فقط، ويا حبذا لوكان هناك من المساحة لتشريح نتيجة التصويت داخلياً وخارجياً بالتفصيل، لأن هناك بعض المفاجآت. الخلاصة الرئيسية هي أن تركيا الآن على عتبة تغيير كبير، فبعد أن كانت النموذج الرئيسي لكيفية الجمع بين الإسلام والديمقراطية الليبرالية، تنزلق الآن بعيداً عن الديمقراطية الليبرالية، وتبتعد أكثر وأكثر عن أحد أهدافها التقليدية، وهي محاولة دخول الاتحاد الأوروبي. نحن فعلاً أمام تركيا جديدة على أكثر من مستوى، داخلياً وخارجياً، ومن هنا أهمية هذا الاستفتاء كتشريح للحاضر التركي ومستقبله أيضاً.