طموح ومخططات وغايات ومصالح حكومة الملالي، والأجهزة التابعة لها في الهيمنة الإقليمية، حقيقة لا حياد عنها في ملف الحوار والتعامل مع الجانب الإيراني الذي حقق «تقدماً» في المجال النووي وحجم ونوعية وقدرات التخصيب التي قد تصل إلى نسبة تفوق التسعين بالمئة، ما دفع القوى الكبرى إلى إعادة حساباتها، والقبول بالجلوس على طاولة المفاوضات مع طهران. فعقيدة الجانب الإيراني العسكرية تقوم على قناعة ثابتة، وهي أولوية سيادة وهيمنة القومية الفارسية على المنطقة، وليست مسألة عولمة مذهب فقط، وهي عقيدة تؤمن بأن الحروب التقليدية ليست فاعلة في حسم أي صراع مع قوى تملك اليد العليا من الناحية التكنولوجية والتسليح النوعي، ولذلك تقوم العقيدة الإيرانية على إثارة الزعر والرعب وإيجاد شريك لها سواء دولة أو مجموعة من البشر في الدول أو المنطقة المستهدفة، وجعل ذلك الشريك مرتبطاً بها مصيرياً من ناحية الطاقة والاقتصاد، وبنوك تفتح وأموال تضخ وتستخدم كمحفظة استثمارية بعيدة عن العقوبات الدولية وغيرها من التقنيات الذكية، التي يسيل لها اللعاب بجانب القوة العسكرية ونقل المعرفة والتدريب والتجهيز. فالخطورة الإيرانية على الأمن الخليجي متشابكة ومعقدة، والأمر الخطير الذي لا تأجيل في مناقشته ويهدد أمن الخليج ككل، ويجب وضع حد له مع الجار الصديق قبل الجار العدو، هو عندما يكون صديقك صديق عدوك في نفس الوقت، ولا نتكلم عن العلاقات الدبلوماسية والتعاون المشروع، ولكن عن تعاون عسكري واستخباري وأمن حدودي، وهنا يتحول صديقك تلقائياً، ومن دون أدنى شك حسابياً، وبمفهوم الأمن العسكري، تهديد يمس الأمن الوطني لديك. ولذلك إيران تعتمد على أسلوب قهر الإرادة وإنهاك الخصوم بمناورات تستخدم كل الوسائل العسكرية والاقتصادية والثقافية والإعلامية والمذهبية وحروب نفسية لا تنتهي لممارسة الضغوط وجعل الخصوم في حالة استنفار دائمة تتحول لعائق يقود لعدم وضح الرؤية، وبالتالي هزيمة الروح المعنوية لجيوش الخصوم، وجعل تلك الدول حائرة بين التنمية والتسليح وتأمين الداخل والخارج والشروع في إيحاءات عديدة تصل الشعوب في تلك المناطق وتأجيج العداء عليها في الداخل الإيراني وتهديد دائم وعدو دائم، يبرر كل جرائم النظام الإيراني القمعي في الداخل. ولا غرابة أن لا يكون البيت الإيراني غير متوحد تماماً، ولكن في المقابل هل نستطيع أن ندعي أن البيت الخليجي متوحد؟ ونستطيع كتحالف عربي أن نجعل بوادر ومؤشرات «الربيع» الإيراني سلاحنا الأول وورقة ضغط كبرى، وخاصة عندما يوظف النظام الإيراني الإرهاب، ويُجند الميليشيات الطائفية لنشر الفتنة والفوضى في المنطقة، ومهاجمة وزعزعة التأييد الداخلي للحكومات التي تعتبرها معادية تعد حجر الأساس في استراتيجية الحرس الثوري، وخاصة في العالم الافتراضي، وهي استراتيجية تقوم على نقل المعركة لأرض الخصوم وشن الحرب خارج ميادين القتال التقليدية، ونشر الخلايا العسكرية، والتي تعمل كقيادات مشتركة موزعة في الدول التي تغلغلت بها إيران، وبها مواجهات الهلال الشيعي والقمر السُّني، وإذا اكتمل الهلال الشيعي حتماً سيستبدل القمر السُّني، ولذلك هو صراع وجودي ومعركة بقاء، وليس للسُّنة خيار غير محاربة الجانب الإيراني بنفس السلاح والأسلوب. فالجانب الإيراني متمكن في زرع مؤسساته وخلاياه وعناصره في دول المنطقة، ويكفي أن الشركات التي تكون تحت مسميات أميركية أو جزر مختلفة تحت راية دول الكومونولث على سبيل المثال هناك سهولة في الحصول على جنسياتها، حيث يحصل عملاء الحرس الثوري على تلك الجنسيات ويفتحون شركات وهمية توظف موظفين جميعهم من الجنسيات الأوروبية والأميركية وأموال تهرب للداخل الخليجي، وتركز هذه الشركات على شراء كبرى شركات النقل المتعلق بالأمن الغذائي والمال والاستثمار والعقار ومحلات ومكاتب ومؤسسات الصرافة، وهو قطاع محوري والرئة التي تتنفس منه إيران بعيداً عن العيون وبصورة قانونية وغطاء تجاري في الظاهر. والخطر الإيراني في الواقع أكبر بكثير مما يتخيله المواطن العربي، ومن السذاجة أن يعتقد البعض أن إيران تهدد دول الجوار فقط، ومن السذاجة أن يعتقد البعض أنه بمنأى عن الخطر لمجرد بعد المسافات، كون العقيدة الإيرانية لن تترك قارة أو مضيقاً أو منطقة ممكن أن تستغلها لإضعاف الجانب العربي من كل النواحي كما هو واضح في العراق وسوريا واليمن ودول البحر الأحمر، حيث تستخدم مبدأ السيطرة التدريجية، فالإيرانيون يبادرون ويوسعون نطاق ما يعتبرونه المجال الحيوي بلا رحمة ولا هوادة.