إذا أراد العالم استعادة الاستقرار لليمن، وحل مشكلاته ومعضلاته، والشروع في مساعدته على الإعمار والازدهار، فعليه بقطع «الشريان التاجي»، بل السرطان الطائفي، وإمداداته العفنة من السموم والهموم التي تبث في المجتمع اليمني، فميناء الحديدة من الموانئ التي يتحصن فيها الانقلابيون ومنها يستمدون أسلحتهم وصواريخهم من خلال عمليات التهريب الإيراني الحثيثة إليهم في تحدٍّ صارخ للمصلحة اليمنية، وقرارات الشرعية الدولية. واليمن اليوم ما زال يعاني من عمليات تهريب ممنهجة من خلال البحر، وبالتحديد من منطقة الحديدة المعقل الأخير للانقلابيين، والذي يستمدون منه إمدادات شرّهم على رغم تضييق الخناق عليهم، فالتهريب لا يقتصر فقط على السلاح، وإنما يوازيه أيضاً تهريب بشري للمليشيات الأخرى التابعة لنظام الملالي التي تعيث في الأرض الفساد وتعمل على خراب البلاد، ولا وطن لها ولا ذمة ولا ملة. واليوم تعمل قوات الشرعية اليمنية وقوات التحالف بصورة حازمة وحاسمة لوقف عمليات تهريب السلاح والألغام والقنابل التي أودت بحياة كثيرين بسبب إرهاب «الحوثيين» وحلفائهم الطائفيين. وحققت قوات الشرعية والتحالف نتائج ملموسة وناجحة في كثير من الموانئ التي تمت استعادتها للشرعية اليمنية، وتم توظيفها لخدمة الشعب اليمني نفسه بتسهيل وصول المواد الغذائية والحصول على الأدوية ومصادر الطاقة المؤمّنة دولياً وتسعى الحكومة الشرعية لإيصالها إلى مستحقيها، وهي تعمل جاهدة على تخفيف حدة المعاناة التي يتجرعها الشعب اليمني بسبب زمرة الانقلاب «الحوثي» الضالة، التي لا تبحث سوى عن مصالح حزبية وأطماع طائفية. والحديدة خاصة تكتسي أهمية قصوى بالنسبة للمتمردين، حتى أنهم طالبوا بضمها مسبقاً إلى الإقليم الذي يسيطرون عليه حينما سعوا لتقسيم اليمن إلى أقاليم فيدرالية، وذلك لتأمين التواصل عبر البحر مع إيران واستمرار تلقي إمدادات السلاح المرسل لهم عبر مينائها الحيوي، كما أن ميناء الحديدة أيضاً يعد ثاني أكبر ميناء يمني في منتصف الساحل الغربي للبلاد على البحر الأحمر. هذا بالإضافة إلى كونه الطريق البحري الوحيد إلى الجزر اليمنية ذات البعد الاستراتيجي، ولعل جزر حنيش وجبل صقر الذي يرتفع أكثر من 3700 قدم عن مستوى البحر من أبرز المناطق التي تسعى إيران لوضع يدها عليها ضمن أطماعها التوسعية وأهدافها التدخلية في شؤون اليمن واليمنيين. وهي تعتقد أنها بذلك تصل إلى مرادها بتهديد الملاحة البحرية العالمية، التي تعتمد على باب المندب وقناة السويس. وهناك بعض الدول الغربية أيضاً التي لم يعجبها أن تضع الحكومة الشرعية يدها على ميناء الحديدة بحجة ضمان استمرار المواد اللازمة للشعب اليمني من خلال الحديدة، إلا أن تلك الحجج واهية والادعاءات غير منطقية، فهناك العديد من الموانئ الحيوية الأخرى التي تقع ضمن نطاق الحكومة الشرعية مثل عدن والمكلا وباب المندب والبريقة وغيرها التي تستطيع الحكومة الشرعية ضمان استمرار تدفق المواد الأساسية واللازمة للشعب اليمني من خلالها، من دون أن يتم «دس السم في العسل»، ومنع كل ما من شأنه أن يؤدي لتهريب السلاح وتجفيف منابع الإرهاب «الحوثي»، وبالنتيجة تؤدي كل تلك المماحكة والتعطيل إلى تفاقم الأزمة اليمنية في النهاية. وعملية تحرير الحديدة من قبضة الانقلابيين ليست طبعاً مهمة صعبة بقدر ما هي محفوفة ببعض المخاطر المحتملة، التي قد تترتب على تكبد الحكومة الشرعية خسائر بشرية خلال التحرير، فالانقلابيون يحتمون في جحورهم هناك ويستخدمون الصواريخ والقنابل ومدافع الهاون والقوارب الانتحارية التي تهاجم السفن البحرية القادمة إليها من خلال البحر، ولكن الخطة العسكرية المحكمة التي تستطيع قوات التحالف وضعها بمهنية واحترافية، والسيناريوهات الدقيقة والمدروسة بدقة وعناية، ستعمل بلا شك على تسهيل عملية تحرير الميناء من شراذم ومليشيات الانقلابيين، وبأقل الخسائر، وبصورة أكثر تكتيكية واستراتيجية تضمن للشعب اليمني حقه في استعادة كامل السيادة على وطنه وموانئه كافة، وستمنع الضرر وتدفع الخطر الذي يتهدد حاضره ومستقبله، على أيدي الانقلابيين «الحوثيين» المتاعيس، وحلفائهم الآخرين المناحيس.