اقترب الرئيس رجب طيب أردوغان، بعد انتخابات الشهر الجاري، من تحقيق حلمه الذي سعى لرؤيته واقعاً. ساعده، وفقاً للمعلومات الرسميّة (نصف الناخبين الأتراك زائداً 1). بينما في الطرف المقابل، وقف (نصف الناخبين الأتراك ناقصاً 1) رافعين كلمة (لا) الدستورية. هكذا قالت وسائل إعلام تركية. اليوم، بالإمكان القول إن منطقتنا الخليجية والعربية، اكتمل طوق الإحاطة بها بإمبراطوريات ثلاث، يجمعها أكثر من مشترك: الأولى يقودها علي خامنئي، والثانية فلاديمير بوتين، أما الثالثة فيقودها رجب طيب أردوغان. أمرٌ يصعّب (اللعبة) السياسيّة الإقليمية تحديداً، إذ يضيف إليها شروطاً ومحاذير، وهواجس مقلقة. على أي حال: العودة إلى النظام الإمبراطوري من عدمه، مسألة تخص الشعوب وقادتها، وإن كان العصر الحديث لا يحتمل رؤية أنظمة بادت، تُبعث من جديد، بعدما وارتها الثرى، الديمقراطيات الحديثة، حتى في أوروبا اليوم هنالك من يفكر باستعادة الإمبراطورية. السؤال الذي يدور في الأذهان، يخص تركيا: هل باستطاعة الرئيس أردوغان، بعد أن اكتسب صلاحيات جديدة، ستوسّع من سلطاته على كل المستويات، أن ينفض الغبار عن قائمة (الأهداف القديمة) التي بدأ بها عهده الرئاسي منذ سنتين ونيّف (2014) ؟ (وكان قبلاً رئيساً للوزراء منذ عام 2003). تحقيق تلك الأهداف هو الذي انتشل تركيا، من مستنقع الديون والفساد الإداري والتردي الاقتصادي (اقتربت تركيا من الإفلاس عام 2006)، لتصبح في صفوف الدول المزدهرة. قائمة العشرين (G 20). الجميع يذكر شعار (صفر مشكلات) مع دول الجوار، عربيةً كانت أم إسلاميةً. هو برنامج هدف إلى تحويل العداوات إلى صداقات، وعمل على تطوير البنية التحتية المحلية لاستقطاب الاستثمار الأجنبي، فضلاً عن حزمة القوانين المرنة والشروط الميسرة التي صدرت في الأثناء، كما سعت حينها إلى بناء صورة جديدة لتركيا (الحديثة)، بدءاً من خطوط الطيران، وصناعة السياحة، ودبلجة المسلسلات الاجتماعية، إلى العربية تحديداً. هذا كله كان يحدث بسلاسة، وعلى مرأى من المراقبين والمهتمين. التساؤل الثاني، ويكتسب أهميته من أحداث تاريخية، هو توقع المهتمين السياسيين أن هنالك (بعض) من سيبدأ تأهيل نفسه ليستعيد لياقته (الحركيّة)، مستنداً إلى الوضع (التركي) الجديد، لا بصفته منصة عمل لتحقيق تطلعات الأمة التركية في مواجهة التحديات، لإعادة مكانتها الرفيعة بين الدول، إنما بصفته رافعة يستقوون بها لتحقيق أهداف وهمية ! إن تركيا لديها اليوم مصالح عليا وأولويات بالغة الأهمية، ولا يُعتقد أنها تمتلك وقتاً لتفسح في المجال أمام هذا (البعض) أو ذاك، كي يستغل اسمها ومكانتها كيفما أراد في السر والعلن. نتساءل: هل ستصبح تركيا كما هو مفترض، منارة متجددة للعلوم والمعارف والابتكار، وتكون محطة حضارية يسعى إليها المستقبل، وقلعةً منيعة يحتمي بظلها المضيمون والشرفاء، أم أن تركيا ستنكفئ للداخل وإلى الخلف، لتكون (مرشداً) لدعاة الأفكار اليائسة والعدمية، الخارجون بتطلعاتهم عن سياق الزمان والمكان؟ تركيا، وبهويتها الجديدة، من المنتظر أن تصبح جسراً يمتد فوق بحر من اليأس والأنين، إلى حيث الانفتاح وطمأنينة المعرفة، وحكمة الاعتدال.