يعتبر اليوم الأخير من أكتوبر عام 2011، يوماً تاريخياً على صعيد رحلة الإنسان على سطح كوكب الأرض، حيث أعلن صندوق الأمم المتحدة للسكان حينها، أن عدد أفراد الجنس البشري قد وصل إلى 7 مليارات، أي سبعة آلاف مليون شخص. وهذا الإنجاز التاريخي -إن صح التعبير- غير مسبوق في غالبية أنواع الكائنات الحية الأخرى، باستثناء القليل من أصنافها، مثل الحشرات، والكائنات الدنيا كالبكتيريا، والفيروسات، والطفيليات. وحسب تقديرات الأمم المتحدة، يتوقع لرقم السبعة مليارات هذا، أن يبلغ 11.2 مليار بحلول عام 2100، وهو الرقم المتوسط بين أقصى التوقعات المتنبئة ببلوغ عدد أفراد الجنس البشري 16.6 مليار، وبين أدنى تلك التوقعات المتنبئة بمجرد 7.3 مليار إنسان بنهاية القرن، أي أقل بـ200 مليون من العدد الحالي البالغ 7.5 مليار. وبغض النظر عن التوقعات المستقبلية، من المؤكد والثابت حالياً أن عدد أفراد الجنس البشري ظل خلال السنوات القليلة الماضية، وسيستمر خلال السنوات القليلة القادمة، في الازدياد سنوياً بمقدار 83 مليون شخص، وهو ما يعادل عدد سكان ألمانيا، أي أن كوكب الأرض يضاف إليه سنوياً دولة بحجم عدد سكان ألمانيا. وليس من الصعب إدراك أن استمرار الزيادة السكانية البشرية سيؤدي إلى تزايد الطلب على المصادر الطبيعية التي يوفرها كوكبنا، بما في ذلك المعادن، ومصادر الطاقة، والمصادر النباتية والحيوانية، والمياه العذبة الصالحة للاستهلاك البشري. ولعل توفر المياه العذبة، أو نقصها بالأحرى، يشكل حالياً الخطر الأكبر على الاستقرار والسلام العالمي، وهو الخطر الذي يتوقع له أن يزداد بزيادة أعداد البشر. فعلى رغم أن الماء يشكل المكون الأساسي لكوكب الأرض، فإن 97 في المئة من هذه المياه مالحة، غير صالحة للشرب أو للزراعة، ويتبقى 3 في المئة فقط من الماء الموجود على سطح الأرض في شكل صالح للاستخدام الآدمي. وهو ما دفع البعض للتحذير من أن المنافسة على مصادر المياه الشحيحة في عالم يكتظ بالسكان قد تؤدي إلى وقوع صراعات عسكرية مسلحة، إلى درجة أن الحروب العالمية القادمة لن يكون محورها احتلال الأراضي، أو توسعة رقعة النفوذ السياسي والاقتصادي، بل سيكون ميدانها وأهدافها الاستراتيجية البحيرات العذبة، ومنابع ومصبّات الأنهار. وهذه الصراعات المسلحة والحروب العالمية القادمة، سيكون وقودها الفقر المائي، وهو مصطلح يشير إلى نقص وشح الموارد المائية المتاحة، والكافية لسد الاحتياجات ولتلبية الطلب على استخدامات المياه في منطقة ما. ومن المنظور الجغرافي، يمتد نطاق الفقر المائي ليشمل جميع قارات العالم دون استثناء، وإن كانت درجته تتفاوت بين دولة وأخرى داخل القارة ذاتها، وأحياناً حتى بين منطقة وأخرى داخل الدولة نفسها. ويؤثر حالياً الفقر المائي على 2.8 مليار نسمة، لمدة شهر واحد على الأقل كل عام، ومن بين هؤلاء يفتقد 1.2 مليار نسمة مياه الشرب النظيفة بشكل شبه دائم. وتتعدد وتتنوع الأسباب التي تؤدي إلى نقص الموارد المائية، لتشمل التغيرات المناخية، وما تسببه من تبدل في أحوال الطقس، التي قد تؤدي بدورها إلى موجات جفاف شديدة، أو فيضانات مدمرة أحياناً. وبخلاف التغيرات المناخية ينتج نقص الموارد المائية أيضاً عن تلوث مصادرها، مثل الآبار والبحيرات، أو تلوث مجاريها من أنهار وترع، أو نتيجة ازدياد الطلب والاستخدام، وأحياناً إساءة الاستخدام. وبخلاف الحروب والصراعات المسلحة، يتوقع لهذا الفقر المائي أن يؤدي إلى زيادة ملحوظة في انتشار الأمراض المنقولة بالماء، نتيجة زيادة الاعتماد على مصادر مائية ملوثة. وتنتج هذه الطائفة من الأمراض من العدوى بجراثيم مرضية، تنتقل إلى جسم الشخص بشكل مباشر عند استهلاكه لمياه ملوثة. وهذه الجراثيم إما أن تكون بكتيريا كما هو الحال مع مرضيْ الكوليرا والدوسنتاريا، أو أن تكون فيروسات كما هو الحال مع مرضي التهاب الكبد الفيروسي (أ) أو شلل الأطفال، ويمكن أيضاً أن تكون نتيجة طفيليات مثل الأميبا، أو ديدان مثل البلهارسيا والإسكارس، وغيرها كثير. ويقدر حالياً أن الأمراض المنقولة بالماء تتسبب في وفاة 1.4 مليون طفل سنوياً بسبب أمراض الإسهال، و500 ألف وفاة بسبب الملاريا، بالإضافة إلى 860 ألف وفاة بين الأطفال، بسبب سوء التغذية الناتج عن سوء إدارة المصادر المائية الشحيحة في الكثير من مناطق العالم. وبخلاف الوفيات، يمكن لتوفر مياه الشرب النظيفة، ونظم الصرف الصحي الحديثة، توفير الوقاية ومنع تعرض خمسة ملايين شخص للإعاقة الشديدة بسبب ديدان الفلاريا، وخمسة ملايين آخرين بسبب التراكوما التي تصيب جفون العينين، وتؤدي إلى مضاعفات بصرية خطيرة. وهو ما يجعل من الاستثمار في توفير مياه شرب نظيفة، من أفضل الاستثمارات وأعلاها عائداً على الصعيدين الصحي والاقتصادي.