«الخروج من الاتحاد الأوروبي أهم حدث منذ سقوط جدار برلين»، «أتوقع ثورة انتخابية في أوروبا ضد طغيان الاتحاد الأوروبي»، و«نحن تحت رحمة عملة تناسب ألمانيا ولا تلائم اقتصادنا»، و«اليورو في المقام الأول سكين مغروز في ضلوعنا ليجعلنا نذهب إلى حيث يريد آخرون أن نذهب».. و«لانريد فرنسا مفتوحة لكل التدفقات التجارية والبشرية من دون حماية وحدود». و«فوز دونالد ترامب بالرئاسة الأميركية دعامة أخرى في بناء عالم جديد»....هذه بعض تصريحات مارين لوبان رئيسة حزب «الجبهة الوطنية» ومرشحة «اليمين المتطرف» في الانتخابات الفرنسية التي انطلقت جولتها الأولى يوم أمس. وبغض النظر عن مآلات هذه الجولة، التي ترجح استطلاعات الرأي إمكانية فوز «مارين» بها مع مرشح «يسار الوسط» إيمانويل ماكرون. فإن احتمالات فوز «لوبان» تقلق كثيرين في أوروبا، خاصة أنصار أوروبا الموحدة، فمرشحة اليمين المتطرف، وعدت في نوفمبر الماضي بإنه في حال فوزها في انتخابات الرئاسة ستقوم بإجراء استفتاء على عضوية فرنسا في الاتحاد الأوروبي، ما ينذر بسيناريو «فريكست» الشبيه باستفتاء الخروج البريطاني من أوروبا الموحدة، المعروف بـ«بريكست». وربما دفعت تصريحات «لوبان» المعادية للوحدة الأوروبية رئيس الحكومة الإسبانية «ماريانو راخوي» إلى التحذير، في يناير الماضي، من فوز «لوبان» معتبره «كارثةً ستؤدي إلى تدمير أوروبا»، وهو يرى أن «مرشحة اليمين المتطرف تريد بكل بساطة مغادرة أوروبا وكأن الاتحاد الأوروبي هو أصل كل البلايا، ليتها تقوم بجولة على بقية العالم». «لوبان» من مواليد 5 أغسطس عام 1968، وهي الابنة الصغرى لجان ماري لوبان، مؤسس حزب «الجبهة الوطنية» عام 1972 ورئيسه السابق الذي وجّه دفته طوال أربعة عقود. وانضمت لـ«الجبهة الوطنية» عام 1986 وكانت عضواً في اللجنة القانونية بالحزب، وتقول «لوبان» إن جدتها الكبرى قبطية وولدت في مصر وعاشت فيها معظم حياتها. ولدى رئيسة «الجبهة الوطنية» خلفية قانونية. حيث درست المحاماة ومارستها، وهي حاصلة على ماجستير في القانون من جامعة «بانتيون أساس» عام 1991، وفي عام 1998 تم اختيارها مستشارة لإقليم «نور بادو كالييه» شمال فرنسا، وانتُخبت عام 2004 عضواً في البرلمان الأوروبي. ولمع نجم «لوبان» عام 2002 وتحديداً عقب خسارة والدها في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية في 5 مايو من ذاك العام، حيث مُني بهزيمة ساحقة أمام الرئيس السابق جاك شيراك، وبرزت كمرشحة لعضوية البرلمان الفرنسي في انتخابات 2007 عن منطقة «بادو كاليه» في الشمال الفرنسي، وهي منطقة تعاني من ارتفاع معدلات البطالة وانخفاض الأجور. وتجدر الإشارة إلى أن «لوبان» اضطرت إلى إقصاء والدها عن رئاسة «الجبهة الوطنية» بعدما تكررت تصريحاته المعادية للسامية، ورشحت نفسها لرئاسة «الجبهة» في 2010، وبالفعل تم انتخابها للمنصب في 2011. وبالنسبة لـ«لوبان»، فإن الترويج لأفكار«اليمين المتطرف» لا تقتصر على الفضاء السياسي الفرنسي، ففي مارس الماضي وصفت «جيرت فيلدرز» زعيم حزب «الحرية» الهولندي، بأنه «ليس من اليمين المتطرف إنه وطني»، معلنة دعمها له، فهو ينتمي إلى التيار السياسي نفسه الذي تتبناه، علماً بأن الرجل يدعو إلى حظر القرآن وإغلاق المساجد وشن حرب على ما يصفه بـأسلمة بلاده... فعلاقات «لوبان» القوية بأحزاب يمينية متطرفة في أوروبا، تزيد من خطورة صعودها، فلديها صداقات وتحالفات مع طيف من أحزاب «اليمين المتطرف» داخل القارة العجوز، كحزب «الحرية» النمساوي وحزب «مصالح الفليميش» البلجيكي وحزب «البديل لألمانيا»، وحزب «عصبة الشمال» الإيطالي الذي يتزعمه «ماتيو سالفيني» المعجب بموسوليني. كما أن «الجبهة الوطنية» تقود تحالفاً حزبياً داخل البرلمان الأوروبي، تحت اسم «تجمع أوروبا الأمم والحريات» يضم هذه الأحزاب، والشاهد أن «لوبان» تدافع عن أفكارها ليس فقط داخل فرنسا، بل في أوروبا كلها.. معاداة المهاجرين ورفض العولمة بندان ليسا غريبين على أجندة أي حزب «يميني متطرف»، وربما لعبت العمليات الإرهابية التي طالت فرنسا خلال الشهور القليلة الماضية دوراً محورياً في ترويج خطاب «الجبهة الوطنية»، فالاضطراب الأمني المصحوب بمشكلات المهاجرين يجعل مواقف «مارين» المعادية للمهاجرين والمطالبة بإجراءات أمنية مشددة «مقبولة» لبعض الفرنسيين. فهي ركزت على «الأفضلية الوطنية» وطرحت نفسها على أنها «مرشحة الشعب»، كما أنها تحاول استقطاب محدودي الدخل بوعود، منها دعم المشروعات الصغيرة وتقديم العون لأصحاب الدخول الضعيفة وطالبت بتعليق الهجرة الشرعية إلى فرنسا، واقترحت إضافة ضريبة خاصة على عقود عمل المهاجرين وتخفيض عددهم إلى 10 آلاف مهاجر سنوياً. وربطت «لوبان» بين الهجرة والتطرف الإسلامي، وطالبت بطرد الأجانب الذين يروجون الكراهية، ودعت إلى منع تقديم الطعام «الحلال» المذبوح على الطريقة الإسلامية. كما وعدت بإضافة 15 ألف عنصر إلى جهاز الشرطة الفرنسي، وتعهدت بإغلاق المساجد التي ارتبطت بمتشددين، مرشحة «اليمين المتطرف» صرّحت بأنها ستحد من الهجرة وستطرد جميع المهاجرين غير الشرعيين، وستجعل بعض الحقوق المتاحة الآن لجميع السكان بما في ذلك التعليم المجاني حكراً على الفرنسيين.. لوبان تعادي العولمة، والدليل على ذلك، دعوتها الخروج من الاتحاد الأوروبي والعودة للفرنك الفرنسي بدلا من «اليورو» كعملة رسمية للبلاد، ومطالبتها بفرض ضرائب على السلع المستوردة، وتعليق العمل باتفاقات «شنجن» التي تسمح بحرية تنقل الأفراد داخل الاتحاد الأوروبي. وترى «لوبان» أن لدى الشعوب الأوروبية رفضاً كثيفاً للاتحاد الأوروبي وما يمثله وللعولمة المتوحشة وللهجرة المكثفة، وقالت عشية الانتخابات الهولندية التي خسرها حزب «الحرية» اليميني المتطرف «في كل مرة يتصدى شخص للهجرة المكثفة في بلد ما يُنعت بالشعبوي والعنصري و الكاره للأجانب، وتساءلت بتعجب: هل يحق لنا معارضة الهجرة دون أن نتعرض للشتائم؟ وإذا كانت «لوبان» بأفكارها اليمينية المتطرفة قد خسرت من الجولة الأولى في الانتخابات الرئاسية قبل خمس سنوات، فإن الأجواء الأوروبية والمحلية الفرنسية الآن قد تُرجح صعودها للجولة الثانية في 7 مايو المقبل، وعلى أية حال، يبقى هذا الصعود ظرفياً، لأنه يتزامن مع حالة استثنائية تشهدها الساحتان الفرنسية والأوروبية والأطلسية جراء العمليات الإرهابية المتواترة والمنسوبة لتنظيم «داعش» الإرهابي، و بسبب الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي المدفوع بأسباب أمنية واقتصادية بحتة، وأيضاً بسبب فوز دونالد ترامب في الانتخابات الأميركية ووصوله للبيت الأبيض، حيث إن أفكاره ليست أقل «يمينية» من أفكار«لوبان». ويبقى الرهان على الناخب الفرنسي، فهو وحده القادر على كبح جماح الخطاب المعادي للمهاجرين في بلد لطالما عُرف بتعدديته وانفتاحه، وهو أيضاً القادر على تحديد مصير ارتباط باريس بالاتحاد الأوروبي. طه حسيب