حين التعامل مع كوريا الشمالية، يجدر بإدارة ترامب النظر إلى المثال الإيراني، حيث يجدر بها أن تقتدي بإدارة أوباما حين فرضت عقوبات على طهران، وأن تستخدم ضد كوريا الشمالية الوسيلةَ نفسها التي استُعملت بنجاح لحمل طهران على الجلوس إلى طاولة المفاوضات: فرض «عقوبات ثانوية» على من يتعاملون مع النظام. والواقع أنه لا يمكن القول في حالة كوريا الشمالية إن العقوبات استنفدت أغراضها. إذ على رغم مجموعة من العقوبات الدولية والأميركية، إلا أن حال كوريا الشمالية ما زال جيداً نسبياً، وخاصة إذا ما قورن مع إيران. وذلك يعود بشكل رئيسي إلى أن الولايات المتحدة كانت تاريخياً ترفض فرض عقوبات ثانوية لعزل كوريا الشمالية، وخاصة ضد الصين، التي تُعد الشريك التجاري الشرعي الرئيسي للنظام. ولاشك أنه يتعين على إدارة ترامب أن تسعى جاهدة لإقناع الحكومة الصينية بالانضمام إلى هذا الجهد، غير أنه إذا أبدت الصين تلكؤاً، ينبغي على ترامب أن يمضي قدماً في جميع الأحوال. إن العقوبات الثانوية بسيطة وقوية للغاية في آن واحد. وهي تحقق غايتها عبر وضع البنوك الأجنبية أمام اختيار واضح: ذلك أن البنوك يمكنها معالجة المعاملات المالية لبنك يواجه عقوبات أو يمكنها الحفاظ على إمكانية الوصول إلى النظام المالي الأميركي، ولكن لا يمكنها القيام بالاثنين معاً. وهذا يشكّل اختياراً سهلاً، لأن الوصول إلى النظام المالي الأميركي، الذي يعني أيضاً الوصول إلى الدولار الأميركي، يمثل ضرورة تقريباً بالنسبة لأي بنك في أي مكان في العالم. ويجدر بإدارة ترامب أن تبدأ بتطبيق عقوبات ثانوية ضد البنوك الصينية متوسطة الحجم التي تساعد شركات الواجهة الكورية الشمالية، وتترك البنوك الكبيرة لوقت لاحق، إن اقتضى الأمر. ومن شأن فرض عقوبات ثانوية إرسال رسالة قوية إلى الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون مفادها أن الخناق المالي أخذ يضيق عليه بطريقة يمكن أن تدق إسفيناً بين كيم ونخبة بيونغ يانغ التي تُعد أساسية لاستمرار سيطرته على السلطة. كما سيُظهر لكوريا الشمالية والصين على حد سواء أن واشنطن جادة بشأن خلق النفوذ والتأثير الضروريين لأية مفاوضات يمكن أن تكون ناجحة. ---------------- ديفيد كوهين* نائب مدير سابق لـ«وكالة الاستخبارات المركزية» الأميركية ووكيل وزارة الخزانة لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية في إدارة أوباما ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»