الانتخابات الرئاسية: هل تكسب «فرنسا الأعماق» الرهان؟ لوفيجارو في صحيفة لوفيجارو نشر الكاتب اليميني إيفان ريوفول مقالاً بعنوان: «هؤلاء المنسيون في الحملة الرئاسية»، قال فيه إن القطاعات الأعرض من سكان فرنسا الأعماق، الذين تجاهل همومهم ومعاناتهم معظم مرشحي الرئاسيات الفرنسية، التي تجري عملية اقتراعها اليوم الأحد، سيكون لهم دور مؤثر في حسم اختيار البلاد في النهاية لمن سيتولى منصب الرئاسة ويدخل قصر الأليزيه، بين المرشحين الأحد عشر. وقد تميزت هذه الحملة بالكثير من إساءة استخدام الدعاوى الأخلاقية والقيمية لاستهداف المرشحين الأكثر قرباً وحساسية لمعاناة فرنسا الأرياف والبلدات خارج المدن الكبرى، أو يمكن أن نسميه بعبارة أخرى «فرنسا الأعماق». بل إن القضاء والإعلام وقطاعات من النسيج السياسي والحزبي كلها اتحدت على استهداف كل أولئك المرشحين الشعبيين. هذا مع أن أربعة من أبرز المرشحين المتنافسين على قصر الأليزيه يرفعون شعارات وبرامج ضد المنظومة النسقية السائدة، وذلك لشعور الجميع بوجود انفصال بين الطبقة السياسية المرتبطة بهذه المنظومة وبين أغلبية الناخبين، ولهذا يسعى هؤلاء المرشحون، من خارج النسق، لكسب تأييد هذه الأغلبية الصامتة، التي يفترض أن تتحول اليوم إلى أغلبية ناطقة، وتمسك مصيرها بيدها، وتحسم القرار والخيار بتغليب كفة المرشح المعبر عن تطلعاتها. واعتبر الكاتب أن تداعيات سابقة فوز ترامب في أميركا تلقي بظلالها بقوة على فرنسا اليوم في استحقاقها الانتخابي الرئاسي، فقد تمكن المرشح الآتي من خارج النسق، وغير المحسوب على النخب المنفصلة عن اهتمامات وهموم أميركا الأعماق، الواقعة خارج المدن، من تحقيق فوز انتخابي على تحالف أخلاقوي لم يبق نوعا من أنواع الدعاية المضادة ومحاولات «الشيطنة» الإعلامية إلا وظفه ضده، وقد أظهرت تلك السابقة أيضاً إخفاق صانعي استطلاعات الرأي في قراءة نبض الشارع العام، وتفكيرهم بالتمني أحياناً خلال عمليات استطلاع الرأي. وهذا يحيل مرة أخرى إلى أن المرشح الذي تعطيه استطلاعات الرأي العام والإعلام في فرنسا الآن صدارة السباق، وهو المرشح المستقل إيمانويل ماكرون، وكذلك المرشح اليساري جان لوك ميلانشون الذي شهدت شعبيته في الاستطلاعات صعوداً ملفتاً مؤخراً، يمكن أن يدفعا في النهاية ثمن هذا التفضيل الإعلامي، والدعم الضمني أو الصريح من قبل صناع الاستطلاعات. وفي المقابل يمكن أيضاً للمرشحَين المستهدفين من قبل النسق وإعلامه واستطلاعات رأيه، وهما مرشح اليمين الجمهوري فرانسوا فيون، ومرشحة اليمين المتشدد مارين لوبن، أن يخدمهما هذا الاستهداف، ويجعل أعداداً كبيرة من ناخبي فرنسا الأعماق ينتفضون اليوم، ويحسمون الأمر لصالح هذين المرشحين، أو لأحدهما على الأقل. وفي الأخير استشهد الكاتب للدلالة على أهمية الكتلة الناخبة في الأرياف والبلدات بإحصاءات تفيد بأن 60% من السكان يعيشون خارج المدن الكبيرة، واهتماماتهم وهمومهم مختلفة تماماً عن اهتمامات سكانها، وثقافتهم الحضرية العولمية. وهذه الأغلبية الساحقة المنسية، في رأي الكاتب هي من سيقرر، على الأرجح، من سيكون رئيس فرنسا خلال السنوات الخمس المقبلة. لوموند بعد هجوم الأليزيه مساء الخميس الماضي، 20 أبريل، نشرت صحيفة لوموند مقالاً بعنوان: «في مواجهة الإرهاب، يمكن لفرنسا المضي بعيداً»، اعتبرت فيه أن استهداف عناصر الشرطة في جادة الأليزيه يظهر بشكل لا لبس فيه أن تهديد الإرهاب ما زال قائماً، وهو ما يقتضي المزيد من الحيطة والحذر، وتصليب التدابير الوقائية لمنع وقوع أي حدث آخر مشابه. والأخطر في هذه التهديدات أنها تتم بوسائل بسيطة، ويرتكبها أفراد، مما يزيد من صعوبة تدابير الوقاية. ومفهومٌ أن الهزائم التي يتكبدها تنظيم «داعش» في الأراضي التي يسيطر عليها في العراق وسوريا هي التي تدفعه الآن لمحاولة تصدير عنفه وإرهابه إلى الخارج، لاستهداف دول بعيدة كفرنسا، والدول الأوروبية. ولكن ليس تهديد الإرهاب أيضاً حالة جديدة على فرنسا، التي جابهت بقوة خلال المائتين وخمسين سنة الماضية صوراً مختلفة من الإرهاب، وتحت يافطات ودعاوى متعددة. بل إن فرنسا نفسها هي من نحتت هذا المفهوم أصلاً بعد ثورة 1789، تماماً مثلما أنها هي أيضاً من ابتدعت كثيراً من آليات دحره وتحييد خطره. ولكن الإرهاب ووسائله تغير كثيراً الآن، فلم تعد المنظمات ولا الدول هي الفاعل الأساسي في تدبيره، مثلما كان الحال عندما كانت بعض الدول الكبيرة تدعمه ضمن ما سمي إرهاب الدول، وحينما كانت أيضاً منظمات إرهابية معروفة تنشط في هذا المجال، وتعمل في شبكات معقدة، وهو ما بلغ الذروة مع هجمات 11 سبتمبر. ومنذ الغزو الأميركي للعراق في سنة 2003 وجد الإرهاب مرتعاً خصباً وسط الفوضي العارمة، وتنوعت صوره، وأخذ مع مرور الوقت، ومع القضاء على كل تنظيم منه، يتخذ صوراً أقل فردية وظهر «الفاعلون الخواص» في سوق الإرهاب! وقد أظهر كثير من الحوادث الأخيرة كهجوم لندن في 22 مارس، وهجوم الأليزيه، وغيرهما خطر ما يسمى الذئاب المنفردة، أي الأفراد الذين يرتكبون أعمالاً إرهابية. وهذا النوع من الخطر يصعب على أية تدابير وقائية وقفه، وهو ما يعني، في المحصلة، أن الخطر سيبقى قائماً، ودائماً، إلا أن فرنسا تمتلك أيضاً من الخبرات التاريخية، والقدرات العملية ما يجعلها قادرة على المضي إلى آخر الشوط لدحر العنف والإرهاب بكافة صورهما. ليبراسيون اعتبر الكاتب آلان جوفرين في افتتاحية لصحيفة ليبراسيون اليسارية، أول من أمس، أن على الناخب أن يجعل لتصويته هدفاً يرقى به إلى أن يكون مساهمة في معركة وطنية كبرى. وما دام هذا الاقتراع الرئاسي الفرنسي يجري الآن في ظروف يظللها تحدي الإرهاب، فلا أحد طبعاً ضد محاربة هذا الخطر المحدق، ولكن شرط كسب رهان القضاء على الإرهاب هو الوعي بأن هذه معركة سياسية أكثر مما هي بوليسية. وقد دعا كل المرشحين، وفي مقدمتهم مارين لوبن، للوحدة الوطنية في وجه هذا التهديد، وهذا شيء جيد، إلا أنها هي، وفيون بدرجة أخف، يقدمان ضمن الاستجابات الممكنة لهذا التحدي حلولاً تحمل في حد ذاتها بذور مشاكل، وبعضها قد يخدم أصلاً أهداف دعاة التطرف والعنف. فحين تزعم لوبن أن الحكومة منذ عشر سنوات لم تحرك ساكناً لمواجهة خطر الإرهاب، فهذا تهجم فج ومجاني، ولا يقدم بديلاً أيضاً. وحين تتحدث عن ترسيخ دعائم دولة القانون، فالأرجح أن ذلك يحمل إشارات إلى تدابير يمكن أن تكون سبباً في تعدٍّ على روح الديمقراطية بشكل أكيد. وعندما تعطي الانطباع بأن كل المسلمين الفرنسيين ينبغي أن يبقوا محل اشتباه حتى يثبت العكس، فهي بذلك تمهد لاحتراب خطير بين الشرائح السكانية في البلاد. والحاصل أن مرشحي اليمين الفرنسي الأبرز وهما لوبن، وبدرجة أقل فيون، لا يقدمان عملياً حلولاً قابلة للتطبيق دون مشكلات، فيما يتعلق بكيفية صد خطر الإرهاب، ولذا فإن كثيراً مما يرفعان من شعارات حازمة هو فقط لأغراض ديماغوجية انتخابية، غير قابلة للترجمة على أرض الواقع. إعداد: حسن ولد المختار