المتطرف الذي نعنيه في هذا المقال هو من يسعى إلى تحقيق أيديولوجيته بالعنف، وإلا فإن من حق كل إنسان السعي لإقناع غيره بفكره. وإذا كانت السياسة وعواملها المعقدة من منطلقات الانزلاق في عالم التطرف، لأن السياسي الذي يفرض نظريته بالقوة في مجتمعه يعد نموذجاً للتطرف الفكري، فإن المنطلقات الدينية تُعد من أقوى عوامل التطرف في عصرنا الراهن. فإذا كان الخالق سبحانه وتعالى قد أعلنها صراحة في كتابه بأن «لا إكراه في الدين»، فما حجج المتطرفين المحدثين، الذين شوهوا نقاء الإسلام بجره إلى حروب، تحمل شعار الجهاد والدين بريء منه. للتطرف الديني أسباب كثيرة، منها أن العنف لا تنفع معه إلا اللغة المماثلة، ففي مقابل عنف بعض الساسة تجاه قضية ما كانت ردة فعل أهل الفكر تبني سياسة مماثلة، لذلك نجد أن من التبريرات غير المنطقية التي يستخدمها المتطرفون الدينيون أن ما يقومون به هو ردة فعل منطقية، تجاه التعذيب والاضطهاد الذي مورس ضدهم في مجتمعاتهم. الكبت يولد الانفجار: شعار آخر ينطلق منه المتطرفون في المجتمعات الإسلامية، وحجتهم أنهم ممنوعون من ممارسة حقوق التعبير عن فكرهم، فهم رافضون للنظريات التي تسود مجتمعاتهم، لكن ليس لهم من وسيلة لتغييرها سوى القوة التي قادتهم لسلسلة من الأعمال الإجرامية المنكرة. لقد رصدت اليونسكو في كتابها الصادر عام 2016 حول دور التعليم في مكافحة التطرف، الكثير من الحجج التي يستخدمها البعض للترويج للتطرف منها «التهميش واللامساواة والتمييز والاضطهاد، إضافة للحرمان من الحقوق والحريات المدنية والضيق الاقتصادي». لكن مجريات الأمور في بعض الدول العربية الغنية، بل حتى الدول الأوروبية التي تعاني من المتطرفين اليوم، تقودنا إلى القول بأن كل ما سبق من مبررات ليست كافية، أو ربما ليس لها التأثير المباشر الذي يقود إلى التطرف، لكن العامل الأساس في هذا المجال يتلخص في وجود بؤر من المتطرفين استثمرت العوامل السابقة الذكر لجذب الشباب نحو تنظيمات بعضها يظهر التدين كشعار، لكنه يخفي أجندات سياسية تقودها أجهزة استخبارات متخصصة وعالمية، وما تنظيم «داعش»، الذي نعيش الفصول الأخيرة من مسرحيته إلا نموذج لهذه المنظمات. أدبيات المنظمات العالمية المتخصصة أشارت إلى أن هذه المجموعات عالية التنظيم تتمتع بخطاب جاذب للشباب وبرامج مغرية تداعب خيال الإنسان المتدين بالذات، ذلك الإنسان الذي مر بفترة انحرافات كثيرة في حياته، فقد ربطت هذه التنظيمات الجنة بالأعمال الإرهابية، وأصبحنا في سوق جديد يبيع مفاتيح الغفران لدخول الجنان لإنسان يعتقد أنه ظلم نفسه، وخلاصه في قتلها، لكنه بدلاً من الانتحار لم لا ينهي حياته بأعمال مثيرة. ولو أضفنا لما سبق أن هذه التنظيمات العالمية أصبحت للعضوية فيها مكاسب مادية ومناقب تشريفية، فالعضوية لديهم لها رتب دقيقة، وقيادات تأمر، وما على المنتمي لها سوى تلبية ذلك الأمر دون وعي يذكر، ومن أهم الإغراءات التي دفعت بعض الشباب المتحمس للالتحاق بهذه التنظيمات السرية هو حالة الغموض فيها، وهو الأمر الذي يعشقه المراهق، فالمغامرات جزء أساس في تكوين نفسيته، ولو أضفنا لهذا العامل الوعد بتنفيس شحنات الغضب التي يحملها المتطرف تجاه غيره عبر ساحات المعارك الجماعية، أو العمليات الفردية لعرفنا خطورة الوضع الذي تمر به البشرية، كل ما سبق لم يكن ليتحقق، لولا أن هذه التنظيمات السرية، تغلف شعاراتها وممارساتها بخدمات تجلب الراحة الروحية، التي يبحث عنها الشباب المغامر، كما أنهم يتحركون ضمن شبكات تؤمن لبعضها البعض الدعم الاجتماعي، والانتماء الذي يلبي متطلبات مرحلة المراهقة.