ظاهرة الهجرة من العالمين العربي والإسلامي إلى الدول الأوروبية والغرب عموماً، أوجد نظرات عديدة بين المفسرين لأبعادها وجدلاً دائماً في المشرق والمغرب حولها. فبعض المثقفين يرى في جوانب منها «هجرة أدمغة»، ويتهم المخططات الغربية بسوء النية، وبعض المحللين يرى فيها دعماً للقوى العاملة في أوروبا، ويسمونها عادة «القارة العجوز»، فالمهاجرون إذن «سواعد شابة» أو «دماء جديدة»، بعد أن تراجع بحدة تكاثر الأوروبيين. أما معظم المهاجرين أنفسهم من معظم أو كل الدول العربية والإسلامية يرون في الهجرة إلى الغرب أماني وأحلاماً لا تتحقق دائماً بسهولة، تهددها باستمرار قوانين وسياسات وإجراءات معاكسة في أوروبا وأميركا، كما نرى اليوم في دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. ومن المعروف لدى الباحثين في هذا المجال أن الشعوب العربية وغير العربية لا تتساوى في الاستعداد للهجرة والاندماج، إذ يرتبط مدى تفاعل المهاجر في المهجر الجديد بخلفيته الثقافية ومدى نضجه الفكري واستعداده النفسي وظروف أخرى. ويرى الباحث د. مصطفى مرسي أن «هناك شعوباً فرضتْ عليهم ظروفُ بلادهم الطبيعية، منذ تاريخ طويل، استشراف الحياة خارج أوطانهم، وكثيراً ما أسهم ذلك، في توارث ما يمكن تسميته القابلية للهجرة التي تؤهل الفرد على سرعة الاندماج والتواؤم في المجتمعات الجديدة، بأقل قدر من المعاناة، لتراكم التجارب على مر السنين والأجيال، ولعلّ التجمعات اللبنانية والسورية تبرز - في ذلك - على المستوى العربي، والتجمعات اليونانية والإيطالية مثلاً - وهي التي نراها منتشرة في جميع أنحاء العالم - كانت تعكس هذا الاستعداد على المستوى الأوروبي، حتى باتت المسألة لدى مثل هذه الشعوب، وكأنها تتسم بموروثات وخصائص، تجعل لها ما يمكن أن نسميه القابلية النفسية للهجرة». «قضايا المهاجرين العرب في أوروبا، مركز الإمارات للدراسات، 2010، ص 51». فلا يمكن مثلاً مساواة اللبنانيين في مهارات التجارة والاندماج ببقية العرب، ولا اعتبار الأرمن كالمهاجرين العرب، ولا مقارنة أوضاع المسلمين وبخاصة البسطاء وذوي الخلفية الشعبية بأتباع الأديان الأخرى. ويؤكد الباحثون وجود أربعة أنماط أو مستويات للتفاعل والتأقلم حضارياً وثقافياً واجتماعاً في مجتمعات الهجرة والبيئة الجديدة، وهي «العزلة الاختيارية» Isolation، والتهميش Marginalization، والاندماج Integration، وأخيراً الاستيعاب والانصهار Assimilation. وتعني «العزلة» الانعزال طوعاً أو كرهاً لمجموعات عن المجتمع المحيط، والعيش في منطقة أو حي ما مع علاقة قد لا تكون ودية مع من هم خارجه. أما «التهميش» فيحدث عندما تفقد مجموعة من المهاجرين الاتصال بثقافتها وتقاليدها، دون اكتساب ثقافة المجتمع الجديد وتصبح بين ثقافتين، مما يجعلها تعيش «أزمة الهوية». ويعاني المهمشون عادة من التمييز والحرمان والتعثر المعيشي، «وكلما تزايد عزل المهمشين عن مجتمعاتهم أصبحوا أكثر راديكالية في أفكارهم وتصرفاتهم وردود أفعالهم». ويعني الاندماج الابتعاد عن الانعزالية والارتباط والتواصل مع المجتمع الجديد، ويتوج الاندماج عادة بالاستيعاب والانصهار. ويحيط بدراسة الهجرة والمهاجرين وخصائصهم بصفة عامة الكثير من الصعوبات وندرة البيانات وعدم دقتها، وتتضارب تقديرات الدول والمصادر الغربية بين رسمية وإعلامية، وحسابات دول المنشأ والمهجر. ولا تتحدث أغلب الدراسات الأوروبية عن المهاجرين العرب، بل عن المهاجرين المسلمين. ويختلف العرب حتى في اختيار الدول التي يهاجرون إليها، فالكثيرون من شمال أفريقيا ولبنان يختارون فرنسا، ويفضل غيرهم كندا والولايات المتحدة وبريطانيا، ويسعى البعض إلى جواز السفر الأميركي، وإن قل حماسهم الآن بعد تطبيق الأميركان لقوانين الضرائب على الداخل والخارج! ويلاحظ د. مصطفى مرسي أن «المهاجر العربي لا يميل في الغالب إلى تغيير عاداته على الرغم من تطور حياته، فهو يظل حافظاً أغلب العادات والتقاليد»، ويشير إلى أن صحيفة «الشرق الأوسط»، 16-07-2001، نشرت أن شركة الخطوط الجوية اليمنية تحمل حمولتين من نبات القات أسبوعياً لليمنيين المقيمين في إنجلترا، ممن يترقبون وصولها، ليكتمل يومهم بقضاء ليال هادئة، يتبادلون فيها الأحاديث، ولا يمنع بعض الآباء من السماح لأبنائهم عند بلوغ سن 15 أو 16، من حضور جلسات القات، فهم يرون أن ذلك أفضل من الاختلاط بـ«أصدقاء السوء»، أو إدمان مخدرات قوية. وعن بعض عادات عرب المهجر في الزواج من بنات بلادهم، تقول صحيفة «الحياة»: «إن محافظة الحسكة (شمال شرقي سوريا)، عرفت بوجود جاليات صغيرة لها في الخارج، وخصوصاً في السويد، وقد شكلت الهجرة نوعاً من الحلم بالنسبة إلى الكثيرين من جيل الشباب، ممن هاجروا واستقروا هناك، فحققوا حلمهم، يقول والد إحدى الفتيات عن سبب إصراره على أن يكون زواج ابنته من مسقط رأسه، وخصوصاً أنها ولدت في السويد: «أريد زوجاً لابنتي يحافظ على تقاليدنا وعاداتنا». ولا ندري ما حال «بنات الحسكة» اليوم.. في ظل نظام «داعش» الظلامي!