جاءت نتيجة الاستفتاء الذي جرى في تركيا الأسبوع الماضي متقاربة ففوز الرئيس بالاستفتاء جاء بنسبة 51.5%، بينما حصلت المعارضة لتفرد الرئيس بالسلطة على 48 في المائة من الأصوات.. نتيجة الاستفتاء المتقاربة تظهر عمق الانقسام في المجتمع التركي، مما يلقي مسؤولية كبيرة على عائق القيادة التركية.. الرئيس التركي أردوغان لديه طموح بالانتقال من النظام البرلماني التعددي إلى النظام الرئاسي. هذا التوجه يهدد هوية المجتمع التركي لأنه مجتمع متعدد الهويات، والقوميات، والانتماءات. الرئيس أردوغان سارع إلى جمع حكومته لمناقشة تنفيذ التعديلات الـ 18 الواردة في الاستفتاء، وأعلنت الحكومة التركية تمديد حالة الطوارئ ثلاثة أشهر أخرى لتتم تركيا بذلك سنة كاملة تحت الأحكام الاستثنائية. تولي أردوغان زعامة حزب «العدالة والتنمية» من جديد يعني قيام نظام الحزب الواحد الذي يسيطر على البرلمان والسلطة القضائية والسلطة التنفيذية ويحجم المعارضة ويحد من حرية الصحافة. الاتحاد الأوروبي من خلال لجنة المراقبين عن منظمة الأمن والتعاون في أوروبا نشرت تقريرها حول الاستفتاء وانتقدت فيه قرار اللجنة العليا للانتخابات واعتبرت أن التصويت تم في ظروف غير عادلة.. الرئيس الفرنسي والمستشارة الألمانية ذكرا أن الأمر يتوقف على الأتراك وحدهم لاتخاذ أي قرار في شأن كيفية تنظيم مؤسساتهم السياسية. لكن النتائج المنشورة تظهر أن المجتمع التركي منقسم في شأن الإصلاحات الواسعة المقررة. السؤال الذي علينا طرحه الآن، ما هو مستقبل تركيا؟ هل ستكون دولة ديمقراطية تعددية متنوعة أم دولة رئاسية استبدادية مثل بقية دول العالم الثالث. ما هي طبيعة علاقات تركيا مع الاتحاد الأوروبي في المستقبل؟ في ظل صعود قوة وانفراد حزب «العدالة والتنمية» بقيادة أردوغان، وكذلك صعود اليمين الأوروبي المتطرف من جهة أخرى.. اليمين الأوروبي متخوف من التواجد الإسلامي في أوروبا، فالمهاجرون الأتراك في أوروبا الغربية تتزايد أعدادهم، كما يتزايد نفوذ المنظمات الإسلامية في أوروبا، فالتجمع الإسلامي في ألمانيا مثلاً يضم تحت جناحيه مئات المراكز الإسلامية - الألمانية، وهم المسؤولون عن توجيه دفة قيادة الأقلية المسلمة التي تملك 5% من إجمالي الأصوات الانتخابية في ألمانيا.. هذا التنظيم يديره إسلامي تركي هو صهر لأربكان ومقرب جداً من أردوغان شخصياً. والسؤال هنا: ما هو مستقبل العلاقة بين تركيا والاتحاد الأوروبي في حالة استمرار الخلافات السياسية التي يتهم فيها الرئيس التركي الغرب بالفاشية والنازية والعنصرية لأن بعض ساسة الغرب يدعون إلى تعزيز الديمقراطية والحرية في تركيا؟ نحن متفائلون بأن المصلحة العليا للطرفين ستحد من الخلافات، فالتحالف الاستراتيجي - العسكري لا يسمح لتركيا بترك حلف «الناتو» خصوصاًَ وأن منطقة الشرق الأوسط مضطربة وعلاقات روسيا وتركيا متذبذبة، فاستمرار تركيا في حلف «الناتو» يدفع الطرفين للتهدئة لضمان المستقبل.