فقدت العقوبات الغربية ضد إيران قيمتها وأهميتها وجدواها، ولم يتحقق الغرض منها بالدرجة التي تضمن تقليص النزوع الإيراني نحو التسليح واستثمار الموارد لإثارة الفوضى ونشر الإرهاب في الشرق الأوسط. فمن الناحية العملية لا تزال إيران تحشر أنفها بمزاج مذهبي طائفي في شؤون الدول العربية، ولم تتوقف حتى الآن عن التبجح بسعيها المحموم لتصدير برنامجها الثوري منذ عهد الخميني. كما أن طموحها النووي يشبه إلى حد كبير طموح كوريا الشمالية من حيث الرغبة في امتلاك أسلحة الدمار لتقويض السلم العالمي. وبالنسبة لإيران نعلم جميعاً أن إيديولوجيا حكامها يهيئون القاعدة الشعبية الإيرانية لاعتبار كل ما هو عربي في خانة العدو. وبالتالي تضع طهران برنامجاً لتأجيج الطائفية بالشرق الأوسط وإحياء الانقسام المذهبي المدمر في المجتمعات، ومن يقاوم أو يرفض هذا النهج التخريبي لا يروق لإيران، ويتحول إلى هدف لإعلامها وعملائها. على المستوى الدولي تريد إيران من المجتمع الدولي أن يراقب نظام الحكم الديني في طهران بصمت، لكن ذلك لن يحدث. غير أن نظام العقوبات لم يعد مجدياً مع إيران لأنها تمكنت من التكيّف معه وإيجاد بدائل لتداعياته. ويبقى السبب الأهم والمباشر لفقدان العقوبات جدواها أن طهران تتحرك في العراق بسهولة، وأنها حولت الجغرافيا العراقية برمتها إلى حديقة خلفية لها، واتخذت منها بديلاً لمواجهة العقوبات والتقليل من أهميتها، بتوفير ما ينقص إيران من معدات متنوعة. حيث سعت إيران عملياً بعد الغزو الأميركي للعراق إلى وراثة كل ما تراكم من تقنيات تتعلق ببرنامج التسليح العراقي. ولأن الولايات المتحدة هي التي تسببت في حدوث هذه الكارثة، فإن الإدارة الأميركية الجديدة مطالبة بتصحيح خطأ تمكين إيران من استباحة العراق وسرقة إمكانياته العسكرية والتكنولوجية. وبحسب تقارير منشورة، إذا أردنا الاطلاع على تفاصيل برنامج التسليح الإيراني النووي والتقليدي، فيجب أن نربط ذلك بالسقف الذي بلغه برنامج التسليح العراقي إلى ما قبل الغزو الأميركي، حيث قامت إيران بعد ذلك بالنهب المنتظم والاستحواذ المدروس على المصانع والتكنولوجيا والأسلحة المصنعة والأسلحة التي تحت التصنيع ورخص تصنيع كل سلاح مع المستندات التي توضح عمليات الصناعة بدقة شديدة. كما استخدمت طهران العلماء العراقيين في مجالات الطاقة الذرية والتصنيع العسكري، واستثمرت بشكل انتهازي كل نتائج سقوط العراق لصالحها. ومن أبرز وأخطر المشروعات العسكرية التي استحوذت عليها طهران من العراق أنظمة تصنيع الصواريخ وأنظمة المدفعية بما فيها نظام المدفع العملاق، وغيرها من أنظمة التسليح التي بلغت ذروتها بمشروع الطاقة الذرية العراقي ومنشآته التي كانت تحوي معدات يقول خبراء بأنها لم تكن توجد في أي دولة خارج حلف «الناتو» باستثناء العراق، وقامت إيران بسرقتها بالكامل، ومن ضمنها مختبرات الطاقة الذرية العراقية، بالإضافة إلى سرقة معلومات الحاسب الإلكتروني للتصنيع العسكري العراقي بما يحويه من خطط وبرامج تصنيع مستقبلية. على المستوى السياسي لم تقنع إيران بتحويل العراق إلى مخزن استراتيجي لها، بل توغلت في المشهد العراقي وزرعت عملاءها ودفعت بفصائل موالية لها إلى الشارع العراقي. ويجري حالياً استثمار الحرب ضد تنظيم «داعش» في مدينة الموصل وغيرها إلى بطولات إيرانية مفتعلة، بغرض تحقيق المزيد من الاختراق النفسي للمجتمع العراقي، رغم أن العقلاء في العراق يعرفون جيداً، أن إيران ليست المنقذ، وأنها راعية الفوضى والخراب، ولديها من الحقد ضد المجتمع العراقي ما يجعل من سياستها تجاه بلاد الرافدين تنتهج التخريب دائماً.