في إطار سعيها المستمر لاحتلال موقع الريادة في مختلف المجالات التنموية، تحرص دولة الإمارات العربية المتحدة على السير وفق خطط مستقبلية صارمة تراعي كل احتياجات أجيال المستقبل، مع ما يرتبط بتلك الاحتياجات من جهد وإتقان وتفان في العمل، وقد تمكنت الدولة من وضع الخطط الشاملة التي تلائم بشكل كبير المتغيرات التي ستشهدها دولة الإمارات ويشهدها العالم على المدى المنظور، كنضوب بعض موارد الطاقة وتزايد مستوى الاستهلاك والارتباط أكثر بالتكنولوجيا، وربما الحاجة إلى عوالم جديدة للاستثمار، وهي كلها أمور تتطلب إعادة صياغة شاملة لنمط العيش ومناهج التعليم وتغيير آليات التعامل مع التحديات، وتغيير سلوكيات الفرد وطريقة معالجته لمشاكله وإدارته لعلاقته مع العالم، ومن هنا جاء تركيز القيادة الرشيدة لدولة الإمارات على استشراف المستقبل، فوضعت الخطط الطويلة المدى لتهيئة الأجيال القادمة للتفاعل الإيجابي مع ما سيطرأ من مستجدات، بما يحفظ لدولة الإمارات مكانتها المتقدمة في عالم الغد. وقد انتقلت الخطط الطموحة التي وضعتها الإمارات من مرحلة التنظير إلى الجانب العملي، فتم الشروع في مرحلة التطبيق منذ أن أطلق صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي «رعاه الله» مؤخراً استراتيجية الإمارات للمستقبل، وهي استراتيجية تهدف إلى الاستشراف المبكر للفرص والتحديات في كل القطاعات الحيوية وتحليلها، ووضع الخطط الاستباقية البعيدة المدى على المستويات كافة، لتحقيق إنجازات نوعية لخدمة مصالح الدولة. وتسعى هذه الاستراتيجية إلى تبني الفرص العالمية الجديدة، واستباق التحديات الاقتصادية والاجتماعية المقبلة، وذلك بوضع نماذج مستقبلية للقطاعات الحيوية، ومواءمة السياسات الحكومية، وبناء القدرات الوطنية، وعقد شراكات دولية وتطوير مختبرات تخصصية، وإطلاق تقارير حول مستقبل مختلف القطاعات. إن الخطط التي أطلقها سموه تدخل في إطار «خطة الإمارات 2021» و«مئوية الإمارات 2071» اللتين تشكلان برنامج عمل حكومياً يتم إنجاز بعضها على المدى البعيد، وتعتمد هاتان الخطتان على برنامج عمل حكومي شامل يتضمن وضع استراتيجية وطنية لضمان وجود مصادر متنوعة للإيرادات الحكومية تحضيراً لمرحلة ما بعد النفط، ما يعني بشكل حتمي التركيز على الاستثمار في التعليم لتزويد الدولة بمخرجات قادرة على الابتكار والتعامل بفعالية مع التكنولوجيا المتقدمة ورفع مستوى الإنتاجية في الاقتصاد الوطني وتعزيز التماسك المجتمعي. وبما أن الخطط والاستراتيجيات لا يمكن جني ثمارها إلا بإخراجها من إطارها النظري إلى الواقع، فقد أطلقت حكومة دولة الإمارات مؤخراً مبادرة «المستقبل في 60 دقيقة»، وهي عبارة عن سلسلة من المحاضرات تستمر كل منها مدة 60 دقيقة لمناقشة أحد المحاور التي تشمل القطاعات الحيوية في استراتيجية الإمارات لاستشراف المستقبل. وللرفع من فعالية تلك النقاشات، تمت استضافة متحدثين عالميين وخبراء متخصصين في استشراف المستقبل، للاستفادة من خلاصة خبراتهم ومعارفهم وتجاربهم في مختلف المجالات. وهي فرصة مهمة من شأنها أن تعزز وعي الموظفين الحكوميين وتزودهم بثقافة استشراف المستقبل، كما تسهم في إثرائهم بالمعارف والمعلومات التي تمكنهم من وضع الخطط المستقبلية الاستباقية وتعزيز الجاهزية للمستقبل. إن دولة الإمارات ومن خلال تبنيها كل الاستراتيجيات الوطنية، تركز على جيل الشباب لتحقيق أهداف التنمية باعتباره جيل المستقبل الذي سيقع على عاتقه بناء الدولة، ولهذا تسعى إلى الاستثمار فيه بشكل كبير، وقد أكد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، أن العمل على رؤية ممتدة للأجيال يعتبر أمانة لضمان استمرارية التنمية واستدامة السعادة لعقود طويلة في دولة الإمارات. إن الخطوات الكبيرة التي قطعتها دولة الإمارات في مجال التنمية واحتلالها موقع الصدارة في معظم مجالات الاقتصاد، يضع على عاتقها مهمة صعبة في الحفاظ على ذلك التميز، بل يدفعها إلى التطلع إلى أن تكون في المركز الأول عالمياً في كل المجالات، وهو هدف يمكن تحقيقه بالمزيد من الإصرار والتخطيط. ـ ـ ـ ـ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.