علاقة الهند ببنجلاديش خاصة، فحتى عام 1947 كانت بنجلاديش جزءاً من منطقة البنغال في شرق الهند. لكن مع الاستقلال وتقسيم الهند إلى دولتين هما الهند وباكستان أصبحت بنجلادش جزءاً من باكستان. لكن في عام 1971 ظهرت دولة بنجلادش منفصلة عن باكستان. والكفاح من أجل التحرير الذي قاده الشيخ مجيب الرحمن والد رئيسة الوزراء الحالية الشيخة «حسينة واجد» كان مدعوماً عسكرياً من الهند. والهند كانت أول البلاد اعترافاً بقيام دولة بنجلاديش، وأقامت معها علاقات دبلوماسية بعد استقلالها على الفور. وبعد ذلك وقع البلدان على معاهدات طويلة الأمد في كل المجالات تقريباً لضمان بناء دولة قوية. لكن كثيرين من البنجلادشيين رأوا في هذه المعاهدات، خاصة المتعلقة منها بالدفاع والسياسة الخارجية والاقتصاد والأمن، محاولات هندية للسيطرة على بنجلاديش. وأدى الاستياء من هذه المعاهدات في الدوائر السياسية والعسكرية البنجلاديشية إلى انقلاب عسكري من ضباط شباب في عام 1975 قُتل فيه الشيخ مجيب الرحمن وكل أسرته فيما عدا ابنته الشيخة حسينة التي كانت تعيش خارج البلاد. وبعد ذلك بقليل، بدأت التوترات السياسية تنشب بين البلدين الجارين فيما يتعلق بعدد من القضايا التي تضمنت تقاسم المياه من الأنهار التي تتدفق عبر الهند وبنجلاديش، ونزاعاً على 144 جيباً على حدود تمتد بطول 4096 كيلومتراً. وميل زعيم الانقلاب نحو الصين والعلاقات العسكرية القوية مع بكين العدو اللدود لنيودلهي، أدى إلى تردي العلاقات بين الهند وبنجلاديش. وهذا التوتر في العلاقة بين البلدين استمر أكثر من 35 عاماً حتى جاءت الشيخة حسينة إلى السلطة في بنجلاديش. ورأت الهند في الشيخة حسينة صديقاً غالياً مثل والدها الشيخ مجيب الرحمن. والجدير بالذكر أن الحكومة الهندية التي كان يتزعمها حزب «المؤتمر» في ذاك الوقت، حاولت حسم النزاع الحدودي مع بنجلاديش، لكنها فشلت بسبب عدم موافقة حزب «بهاراتيا جاناتا» المعارض في ذاك الوقت والحاكم الآن على بنود الاتفاق. لكن في غضون عام من الوصول إلى السلطة في نيودلهي لم يقدم رئيس الوزراء الهندي «ناريندرا مودي» على زيارة بنجلاديش في يونيو 2015 فحسب بل حسم أيضاً النزاع على الحدود بأن وافق على تسليم كل الأراضي التي تم احتلالها بشكل غير مشروع إلى بنجلاديش. واستطاع «مودي» تحقيق هذا منفرداً، لأن حزبه جاء إلى السلطة بأغلبية كاسحة. كما زارت رئيسة وزراء بنجلاديش الشيخة حسينة الهند في الأيام القليلة الماضية لتعزيز التعاون في عدد من المجالات تمتد من الدفاع إلى الطاقة النووية للأغراض السلمية. وكانت هذه أول زيارة ثنائية لها منذ سبع سنوات حين لم يتم الاتفاق على تقاسم مياه نهر «تيستا» بين البلدين. والفشل في التوقيع على اتفاق لتقاسم المياه حتى الآن ظل مصدراً للنزاع. لكن في زيارة الشيخة حسينة، وقع البلدان على 22 اتفاقاً في طائفة واسعة من المجالات. فقد تم التوقيع على ثلاث مذكرات تفاهم فيما يتعلق بالطاقة النووية التي تتضمن تعاوناً بين الحكومتين في استخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية. والجدير بالذكر أن روسيا تبني أول محطة لتوليد الطاقة النووية لبنجلادش، وأن الهند دربت علماء بنجلاديشيين في المجال النووي في العامين الماضيين. كما وافقت نيودلهي على بناء خط أنابيب لنقل الديزل والغاز الطبيعي إلى بنجلاديش. وهذا يتضمن أيضاً خط أنابيب يمتد 131 كيلومتراً لنقل الديزل. وقدمت الهند 4.5 مليار كخط ائتمان لبنجلاديش لتنفيذ مشروعات تنموية. ويأتي خط الائتمان هذا بعد أن زاد الرئيس الصيني «شي جين بينج» خط الائتمان لبنجلاديش إلى 24 مليار دولار أثناء زيارة قبل ستة أشهر. ويتوقع أن يساعد هذا الائتمان في تحسين الاتصالات، ليس فقط داخل بنجلاديش، لكن أيضاً في الهند عبر ولاياتها الشمالية الشرقية. وبنجلاديش محورية في التعاون الاقتصادي الإقليمي للهند في الوقت الذي تخطط فيه الهند لربط جنوب آسيا مع جنوب شرق آسيا. ولأن بنجلاديش تشتري نحو 80 في المئة من عتادها العسكري، بما في ذلك الغواصات من الصين، عرضت نيودلهي تقديم خط ائتمان جديد بقيمة 500 مليون دولار يخصص تحديداً لشراء عتاد عسكري من الهند لتقليل اعتماد دكا على بكين. والأمن مجال مهم آخر للتعاون بين البلدين. وبنجلاديش حيوية للاستراتيجية الأمنية الهندية في المناطق الشمالية الشرقية. ولم تتردد الشيخة حسينة في تعزيز التعاون الأمني الحاسم بالنسبة للهند بشن حملة مشددة على المتمردين في الشمال الشرقي الذين استخدموا منطقة الحدود البنجلادشية كملاذ آمن لإثارة الاضطرابات في الهند. وشهدت بنجلاديش أيضاً صعوداً للأصولية الدينية في العامين الماضيين، مع محاولة الجماعات الإرهابية التي تتجاوز القوميات مثل «القاعدة» و«داعش» العثور على موطأ قدم لها في المنطقة. وعلى الرغم من كل هذه المشكلات لا تتردد حكومة الشيخة حسينة في تعزيز تعاونها مع الهند. ولذا من المهم للهند أن تحسم قضية تقاسم المياه من أجل المصالح القومية الأكبر لحماية علاقاتها مع بنجلاديش. *رئيس مركز الدراسات الإسلامية في نيودلهي.