مع التوقعات المتناقضة وتصريحاتها الصريحة، دعت رئيسة وزراء بريطانيا «تيريزا ماي» إلى إجراء انتخابات مبكرة. «ماي» ملتزمة بأكثر السياسات المضللة في ذاكرة الحكومة البريطانية - التجربة الحمقاء المعروفة بـ«بريكست» أو خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، بيد أن هذا هو انشقاق السياسة البريطانية، والانفجار الداخلي لحزب «العمل» المعارض. بالنسبة للآفاق الفورية لبريطانيا، ربما يكون هذا أمراً جيداً: إذا كانت الدولة ستغادر الاتحاد الأوروبي، ربما يجب أن يكون لديها أيضاً رئيس وزراء يتفاوض من موقع قوة. ولكن كمقياس للسياسة في أوروبا، فإن انتصار شخص يحول كياناً من العالمية إلى المحلية هو أمر محبط. وفي الوقت نفسه، وعلى الجانب الآخر من مجرى مائي ضيق، هناك دراما سياسية أخرى تجعل الدراما البريطانية تبدو لطيفة. والدراما الأخرى تحدث في فرنسا. ففي الجولة الأولى من انتخاباتها الرئاسية، المقرر إجراؤها يوم غد الأحد، من المتوقع أن يؤيد ثلاثة أرباع الناخبين الفرنسيين مرشحين يدافعون عن الفساد بشكل مختلف، وزيادة الضريبة بنسبة 100% والاسلاموفوبيا (الرهاب من الإسلام) والروسفوبيا (الرهاب من روسيا) وإنكار الهولوكوست، وتقويض «الناتو»، وتفكك الاتحاد السياسي والنقدي لأوروبا. لقد كانت فرنسا يوماً ما مهداً للتنوير الغربي. والآن فهي تهدد بأن تصبح مشهداً للانهيار. ولحسن الحظ، فإن فرنسا تختار رؤسائها على مراحل. ومن المرجح أن يفوز «ايمانويل ماكرون»، المصرفي السابق في مجال الاستثمار والمؤيد للسوق، بنحو ربع الأصوات، ما قد يجعله بين المرشحيْن اللذين سيخوضان جولة الإعادة في السابع من مايو. وإذا حدث هذا، ربما يفضله الناخبون الفرنسيون عن أي نسخة مجنونة مرشحة ضده. ولكن ليس هناك ضمانات. ولنبدأ بالأكثر قوة، «مارين لوبان»، المرشحة اليمينية المتطرفة والكارهة للمهاجرين. لقد كانت هي التي نفت مؤخراً أي مسؤولية فرنسية لترحيل اليهود إلى معسكر أوشفيتز، وهو ادعاء مخجل. كما أيدت لوبان استيلاء روسيا على شبه جزيرة القرم. وقبل حزبها قرضاً كبيراً من بنك مرتبط بالكرملين. وهي تريد سحب فرنسا من القيادة العسكرية لـ «الناتو» بعيداً عن الاتحاد الأوروبي والعملة المشتركة للكتلة. وهي تقول إن «الاتحاد الأوروبي سيموت»، لتثير صيحات الحماس من قبل أنصارها. ويأتي بعد ذلك «جان-لوك ميلينشون»، المرشح المتحالف مع الشيوعيين، والذي يصور نفسه بأنه يشبه الزعيم الفنزويلي «هوجو شافيز»، ويعد بالقيام بـ «ثورة مواطنين». ولا داعي للتخمين أنه هو الذي اقترح فرض ضرائب عالية على الأغنياء، ومحو أي خطر في تضخيم عبارة «ضريبة مصادرة». وكما هي الحال مع لوبان، فإن ميلينشون يعادي «الناتو» والاتحاد الأوروبي. ويبدو أنه لا يرى أي شر في فلاديمير بوتين. ويبدو أنه غافل عن أن نسبة البطالة بين الشباب في فرنسا قد بلغت 25 في المائة، فهو يريد إحداث مزيد من الاستقطاعات في ساعات العمل الأسبوعية، وإضافة 100 ألف موظف حكومي آخر وتغيير سن التقاعد من 62 – 60. أما آخر وأضعف مرشح، فهو المحافظ التقليدي فرانسوا فيون. ويعد «فيون» تقليدياً في كل شيء باستثناء موقفه الغريب من روسيا: فهو يرفض إدانة غزو روسيا للقرم، والذي قارنه بتأييد الغرب لانفصال كوسوفو عن صربيا. وهو أيضاً تقليدي باستثناء حقيقة أنه متهم بتوجيه ما يقارب مليون دولار من أموال الحكومة إلى زوجته، واثنين من أبنائه للقيام بعمل وهمي. وقد أعلن بوقاحة قائلاً إن «فرنسا أكبر من أخطائي». إن الانحطاط البريطاني والفرنسي ليس متماثلاً. فبريطانيا - وهي بوتقة انصهار مفتوحة وديناميكية وناجحة على نطاق واسع - قد شهدت ردود فعل عنيفة من الناخبين الأكبر سناً الذين يشعرون بالارتباك بسبب الهجرة والتغير التكنولوجي. أما فرنسا - الفخورة بثقافتها، والمتباطئة اقتصادياً، والتي تصر في بعض الأحيان بشكل غريب على أن لباس النساء المسلمات على الشواطئ يجب أن يكون أقل تواضعاً - فقد شهدت رد فعل عنيف من جانب الناخبين الشباب الذين لا يستطيعون الحصول على عمل. ولكن بالمعنى الأوسع، فإن كلاً من الدولتين تشير إلى الحالة الهشة للسياسة الأوروبية. النخب غير مفضلة للنمو الضئيل الذي لا يتم تقاسمه بصورة عادلة. الأصوات الأجنبية التي تلقى استياء والهجمات الإرهابية التي تضيف السم إلى البئر. وربما تستطيع الحكومة البريطانية التي تحصنها ولاية انتخابية جديدة، التفاوض بشأن الطلاق من أوروبا الذي يحد من الأضرار. وربما يحتشد الفرنسيون خلف ماكرون الذي، على الرغم من أنه صغير، فإنه لا يريد تفكيك الاتحاد الأوروبي أو حلف شمال الأطلسي، بيد أن أوروبا ربما تستطيع الهروب من السقوط في الهاوية مرة أو مرتين. لكن بعد فرنسا سيكون هناك إيطاليا، وهي اقتصاد آخر كبير ومحوري لتماسك أوروبا، والتي تتميز بالدين الحكومي، وبطالة الشباب والنخب التي فقدت مصداقيتها، والديماغوجية المخيفة. سيباستيان مالابي* * زميل في قسم الاقتصاد الدولي بـ «مجلس العلاقات الخارجية» الأميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»