شهدت الساحة السياسية الإسرائيلية خلال الأسبوع الفائت حملة احتجاج شديدة من جانب قيادات إسرائيل ضد مقال نشرته صحيفة «هآرتس» الليبرالية، وهو مقال يوجه انتقادات حادة للصهاينة المتدينين المتطرفين الذين يقمعون العرب، ويقودون عملية استيطان الضفة الغربية ويضطهدون المعتدلين الإسرائيليين. محتوى المقال الذي كتبه المحامي «يوسى كلاين» والحملة ضده كلاهما جديران بالتأمل واستخلاص الدلالات منهما، والتي أراها على النحو التالي، أولاً: إن الدلالة الأولى أمامنا دلالة كاشفة عن درجة خطورة معسكر الصهيونية الدينية المتطرف بمعتقداته العنصرية والتوسعية على الوجود العربي في فلسطين وعلى عملية السلام المرتقبة وعلى معسكر السلام اليهودي في إسرائيل، وهي دلالة يكشفها وصف الكاتب لهذا المعسكر بأنه معسكر لا يمكن احتواؤه، وأنه أشد خطورة من «حزب الله» اللبناني وبأنه معسكر يحاول الاستيلاء على إسرائيل بأساليب المراوغة وتخريبها مع ممارسة حملة للتطهير العرقي ضد العرب. لقد سبق للمراقبين العرب أن رصدوا أنشطة هذا المعسكر العدوانية المتطرفة على العرب وعلى المقدسات الدينية الإسلامية والمسيحية، بل وسبق في عام 1995 أن نبهت إلى أن الشاب «يجآل عامير» الذي قام باغتيال رئيس الوزراء إسحق رابين لم يكن يُعبّر عن حالة فردية، بل كان متأثراً بالحملة التي شنها حاخامات التطرف والاستيطان ضد رابين، والتي وصلت إلى حد إصدار فتاوى تكفره، وتحل سفك دمه لتجاسره على الدخول في عملية سلام مع الفلسطينيين، وعقاباً له على تسليم أجزاء من الضفة إلى السلطة الفلسطينية في إطار اتفاقيات أوسلو للسلام. ثانياً: المقالة تبين درجة الشعبية العالية التي يتمتع بها المعسكر الديني المتطرف بين قيادات الدولة اليمينيين العلمانيين ورضاهم عن نشاطاته في مجال نهب أرض الضفة الغربية واستيطانها وتظهر هذه الدلالة من خلال حملة الاستنكار للمقال التي جاءت من جانب أهم قيادات الحكم اليميني. لقد عبر رئيس الدولة «رؤوفين ريفلين» عن رفضه لانتقادات الكاتب «كلاين» واعتبرها تشويهاً لسمعة المعسكر الصهيوني الديني، في حين أن رئيس الوزراء نتنياهو، وصف مقال «كلاين» بالمشين، ووصف المعسكر الصهيوني الديني بأنه ملح الأرض، وأنه يفخر به وبأبنائه الذين يخدمون في الجيش من أجل أمن إسرائيل. وطالب صحيفة «هآرتس» التي نشرت المقال بتقديم اعتذار. هذا في حين أن وزير الدفاع ليبرمان طالب الجماهير بمقاطعة صحيفة «هآرتس» وعدم قراءتها، بل إن «لابيد» زعيم حزب «يش عاتيد» الوسطي، قد وصف المقالة بأنها معادية للسامية. ثالثاً: إن ردود الأفعال على المقال من جانب قيادات اليمين تؤكد ما سبق ورصدناه من تعمق حالة استقطاب حاد وعنف شديد بين معسكر السلام اليساري المعتدل وبين معسكر اليمين. لقد اضطر كلاين كاتب المقال في مواجهة هذه الحملة من التنديد بمقاله إلى الدفاع عن نفسه في حديث لقناة التلفزيون الثانية، وبادر إلى اتهام معسكر اليمين، بأنه هو الذي بدأ لغة التخوين لمعارضي أفكاره وسياساته واستخدام لغة التجريح ضد المعسكر الآخر، حتى أصبحت هذه اللغة هي الشائعة بين اليمين واليسار، وقال الكاتب إنه لم يفعل أكثر من استخدام هذه اللغة الشائعة. وهي شهادة من الكاتب تبين لنا مدى التدهور الحاصل في إسرائيل في مجال إدارة الحوار بين المعسكرين والمفترض نظرياً أن يكون حواراً ديمقراطياً بألفاظ مهذبة. رابعاً: اتهم الكاتب في حديثه التلفزيوني نتنياهو باحتضان سياسة الترويج لليمين المتطرف على حساب قوى الاعتدال، وهذه دلالة واضحة للمراقبين للساحة الداخلية الإسرائيلية.