من حق الرئيس دونالد ترامب ومستشاريه أن يقلقوا من سوريا وكوريا الشمالية. فهما دولتان مارقتان وضالعتان في انتهاك حقوق الإنسان ويحتمل أن تتسببان في تفاقم العنف وزعزعة الاستقرار. فقد تسببت الحرب الأهلية في سوريا في ملايين اللاجئين بالفعل وفي ظهور أمراض مثل شلل الأطفال كان يعتقد ذات يوم أنها انقرضت وتحولت البلاد ملاذا آمنا لإرهابيي داعش، لكن يجب أن تكون هاتان الدولتان مصدر قلق أقل في المخطط الأكبر. فقد كتب «مايكل أورين» السفير الإسرائيلي السابق في الولايات المتحدة والمؤرخ المرموق في الآونة الأخيرة يقول: اتفاقات إطار العمل التي أبرمت مع كوريا الشمالية عام 1994 ومع سوريا عام 2013 تتشابه في كثير من النواحي. فكلاهما أقر بأن النظامين يمتلكان بالفعل أسلحة دمار شامل أو على الأقل وسائل لإنتاجها. وكلاهما افترض أن النظامين سيسلمان ترساناتهما بموجب اتفاق دولي أو يفتحان منشآتهما أمام المفتشين. وكلاهما يفترض أن الدولتين القمعيتين إذا شاركتا بشكل ملائم فيمكن إدخالها في جماعة الدول، لكن كل هذه الافتراضات خاطئة. وأشاد «أورين» بضربات الإدارة الأميركية لسوريا وإرسال سفن للحراسة قبالة كوريا الشمالية لدعم إطار العمل لاتفاقات منع انتشار أسلحة الدمار الشامل، لكن الخطر من هاتين الدولتين أقل من خطر إيران التي من دونها لما بقي الرئيس السوري بشار الأسد في السلطة. إيران تستطيع اتباع خطى سوريا وكوريا الشمالية في الغش، أو تستطيع الالتزام بالاتفاق وتوقف نشاط أجزاء من منشآتها النووية بدلاً من تفكيكها، مع حصولها على مئات المليارات من الدولارات نتيجة رفع العقوبات. وتستطيع تطوير تكنولوجيات جديدة لإنتاج قنابل ذرية وتختبر صواريخ بالستية عابرة للقارات. وتستطيع الاستمرار في ذبح السوريين والعراقيين واليمنيين وفي تمويل «حماس» و«حزب الله». فالاتفاق النووي المعروف باسم «خطة العمل المشتركة الشاملة» يمكن إيران من فعل كل هذا. وأوصى «أورين» بأنه يجب الإبقاء على العقوبات الأميركية على إيران كما هي دون التزحزح عنها، وأن يقر الكونجرس المزيد من التشريعات التي تفرض عقوبات، بل ويتعين الربط بقوة بين «خطة العمل المشتركة الشاملة» ودعم إيران للإرهاب وتعهداتها بمحو دولة إسرائيل والإطاحة بالحكومات العربية المؤيدة للولايات المتحدة وتواطؤها في المذابح في المنطقة. ويتعين على الكونجرس وإدارة ترامب أن يتحركا سريعاً لفرض عقوبات على طهران، لأن الصفقة الكبيرة بين شركة بوينج وإيران توضح نواحي القصور الشديدة في الاتفاق النووي. فقد ذكر تقرير لبلومبيرج أن «شركة بوينج توصلت إلى ثاني أكبر عملية بيع لطائراتها إلى شركة طيران إيرانية منذ سبعينيات القرن الماضي في صفقة تبلغ قيمتها ثلاثة مليارات دولار، مما يضع علاقات شركة إنتاج الطائرات بالرئيس دونالد ترامب موضع الاختبار. والاتفاق مع شركة «إيران اسمان» الجوية لشراء 30 طائرة بوينج من طراز 737 ماكس تضاف إلى اتفاق منفصل بقيمة 16.6 مليار دولار مع شركة «إيران إير» ما زالت شركة تصنيع الطائرات التي مقرها شيكاجو تعمل على الانتهاء منه. وإذا أُبرمت الصفقات فسيكون هذا أول تصدير لطائرات أميركية إلى إيران منذ عصر شاه إيران». صحيح أن إيران تريد تطوير أسطولها العتيق من الطائرات لأسباب السلامة، لكن من غير الواضح إذا ما كانت الدولة قادرة على استيعاب مئات الطائرات التي طلبتها من بوينج وإيرباص، ورغم أن مجلس النواب الأميركي قد أقر مشروع قانون يحاول عرقلة المبيعات، أقر معارضو إيران في مجلس الشيوخ أن الاتفاق مشروع في ظل القانون الحالي، وأكد السناتور الديمقراطي بن كاردان وهو عضو بارز في لجنة العلاقات الخارجية أن الكونجرس لا يستطيع منع بيع الطائرات إلا قليلاً ما دامت الصفقة تتماشى مع بنود الاتفاق النووي. وهذا ما ردده السيناتور «الجمهوري» جون ماكين الذي كان من أبرز المعارضين للاتفاق النووي. وهذا يوضح تماماً أيضاً السبب الذي يجعل عقوباتنا على إيران غير كافية. وعدم الاتساق هنا مذهل، فمن ناحية نحن قلقون، ولنا حق في ذلك، بشأن سوريا وكوريا الشمالية، وفي ناحية أخرى فإن سياستنا تجاه إيران التي تمثل خطراً أكبر بكثير تساعد فيما يبدو على إعادة بناء وإثراء البلد الذي دعم الأسد ويصدر الإرهاب ويذكي الفوضى في المنطقة ويستطيع، حتى دون اللجوء إلى الغش، امتلاك أسلحة نووية في نهاية المطاف. إننا قلقون بشأن برنامج كوريا الشمالية غير الناضج وغير الكفؤ للصواريخ البالستية لكننا لا نفعل شيئاً من العقوبات الصغيرة رداً على اختبارات إيران غير المشروعة للصواريخ. ومن المؤكد أننا نواجه تحديات كثيرة يتعين علينا معالجتها لكن يجب علينا ألا نغفل عن أسوأ وأكثر الدول المارقة خطورة. جنيفر روبن كاتبة أميركية من المحافظين ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»