مَنْ المظلوم الأكبر في زحمة الحرب على الإرهاب غير الإسلام دين الرحمة والسلام الذي يُرتكب باسمه كل ما يندى له جبين البشرية من سوء الفعال! لسنا هنا في صدد الحديث عن نبرة التآمر على هذا الإسلام المسالم لكل مكونات الكون البشرية منها والحجرية والحيوانية، بل أرى ضحية كل عملية إرهابية من أي نوع يحدث في أي بقعة، المتهم الأول هو الإسلام، لأن مرتكبه في الغالب يكتشف أنه مسلم صاحب سيرة أمنية سيئة الذكر، فلا تظهر إلا بعد فوات الأوان، فتسجل الجريمة علناً ضد الإسلام وليس ضد الفاعل الذي فجَّر نفسه بحزام التطرف وبئس المصير. وعلى رغم رفع أصوات بعض قادة الدول الغربية والعربية والإسلامية دفاعاً عن هذا الدين الذي تنطق آياته الكريمة، وأحاديث نبيه (صلى الله عليه وسلم) الشريفة، سماحة وعفواً ورحمة للعالمين، فإن ما نراه على أرض الواقع هو تحول صارخ نحو تطرف يميني يريد إزالة ذكر الإسلام من قاموس المجتمعات البشرية وليس الغربية فحسب. ورغم إدراكنا لضعف مواقف الدول العربية والإسلامية عن هذا الإسلام بالأفعال الإيجابية التي تعم استنكاراتها المتعددة بالدفاع عن قيم الدين الإسلامي الراقي والحضاري، فإن الآخر المُسْتَفَز يريد أن يرى مشاريع حضارية تتحرك تجاهه بدل أن يصدر مشاريع تجاهنا يراد منا تطبيقها بحذافيرها دون توقف أو تردد أو حتى إجراء تعديلات لازمة لصلاحيتها في العالم العربي والإسلامي. وفي ثنايا انشغال الجميع بمعركة الإرهاب على مستوى العالم، نرى كذلك لدى بعض النخبة من المثقفين العرب والمسلمين، وبالأخص ممن كان يضع نفسه مصاف الليبراليين الذين يتقبلون الآخر، كذلك يصوبون سهامهم لهذا الآخر من أي تيار كان عبارة ابن آدم المشهورة في القرآن دستور الإسلام الأوحد «لأقتلنك» معنوياً ومادياً، وهو الأمر الذي ترك فراغاً تشريعياً واقعياً لعب فيه أصحاب الفكر الإرهابي كيفما شاؤوا عبر كل الوسائل الإعلامية المتاحة بلا قيود، كأداة مساعدة لهجماتهم المتفردة كالذئاب إلى جرائمهم التي لا تقبل الإنسانية لهم مكاناً فيها إلا في جحيم أفعالهم الشنيعة. لقد انشغل البعض في العالم العربي والإسلامي بالتنقيب عن كل ما يدعم أفعال الإرهابيين في بطون التراث العربي الإسلامي منذ بزوغ شمس الإسلام على الجزيرة، حتى يدعم التوجه العالمي والإقليمي في محاربة الإرهاب واستئصاله، وهو جهد آني قد يخدم السياسات الحالية لمكافحة الإرهاب المتمترس بتلابيب الإسلام منذ انطلاقه. ونرى بأن هذا الاتجاه وحده لا يخدم الإسلام الذي يراد تنقيته من شوائب أفعال بعض أتباعه على مر الزمن، فالتاريخ العربي والإسلامي يصور بذلك كأنه كتلة جليد إرهابي يتحرك أمام الكرة الأرضية لتحويلها إلى لهيب يحرق كل من يتصدى له، وهو وضع لا ينبغي السير وراءه لأنه يريد أن ينتصر في هذه المعركة على حساب ثوابت الإسلام ومبادئه التي هي أكبر من أن تنالها يد إرهابي حان قطعها لأنها تسرق بريق الحضارة الإنسانية من هذا الإسلام. إن تجيير جرائم التاريخ في الإسلام لتناسب الطرح في الحرب ضد الإرهاب كذلك لا يخدم هذا الاتجاه، لأن الحوادث سواء كانت عليها غبرة أم بيضاء تسر الناظرين متى ما جردت من سياقها التاريخي فلن تنفع لأمر يقع اليوم في ظروف استثنائية مختلفة وإن تشابهت بعض أنواع الجرائم الإرهابية في غابر الأزمنة. فالأصح في المعالجة هو العمل على استخراج كل ما يخدم الإسلام في هذا العصر في نقطة الضوء الحضارية، لأننا أمام منافسة شرسة في صراع الحضارات التي بيد المسلمين جميعاً تحويلها إلى تلاقح حضاري وتكامل إنساني بدل التآكل الذي نشاهده اليوم سواء كان الإرهاب طرفاً صارخاً أو تقاعس المسلمين في الدفاع عن إسلامهم بالطيب والأخلاق والقول الحسن أمام جميع شعوب الأرض والدفع في هذا الاتجاه الرباعي من دون استثناء، حتى يعود الميزان لصالح البشرية من داخل الإسلام ذاته. ساعتها لا يحتاج الإسلام منا إلى أطنان من المقالات للدفاع عنه أمام أي تيار منحرف يريد سرقة الإسلام الحق من بين أيدينا ليسلمه إلى الآخر مشوهاً، بل محطماً منكراً أمام دفقة الحضارة الغربية أو غيرها ممن يعالجون دورة التاريخ في هذا الإطار. وهو أمر ليس سهل المنال، بل هو التحدي الأعظم للعرب والمسلمين في كل الدول لأنها المتضررة الأولى من استمرار هذا الفراغ الحضاري في تنزيل تعاليم دينهم على أرض الواقع كما هو من دون تشوُّهات جينية، فالدور علينا أكبر من الغرب الذي لديه حضارته ولا يبالي إن دِيس الإسلام في الطريق أو شوه صورته نفر دخلوا في جلد الذئاب للبحث عن الحَمل الوديع لاتهامه باسم الإسلام الذي يحتوي في باطنه كل مبادئ الأديان السماوية والأرضية بلا منازع لأنه هو النموذج الأمثل الأفضل للعالم أجمع.