في بداية الأسبوع الماضي، أعلنت مجموعة من العلماء البريطانيين عن اكتشاف ترسبات أو عروق هائلة غير مسبوقة الحجم، من معدن نادر (Tellurium)، في بطن جبل في قاع المحيط الأطلنطي. ولفهم أهمية هذا الاكتشاف وتبعاته، لا بد أن نتوقف قليلاً عند مصطلح المعادن النادرة، والذي يشير إلى 17 عنصراً كيميائياً، تكتسي جميعها أهمية فائقة في التطبيقات والصناعات التكنولوجية الحديثة. هذه العناصر ليست في الحقيقة نادرة بالمفهوم الدارج، بل تتوفر بشكل واسع جدّاً في مكونات القشرة الأرضية، وما يندر هو وجودها في تركيزات مرتفعة، بدرجة تجعل تعدينها ذا جدوى اقتصادية، وهو ما يعني أن ندرتها تبقى ندرة نسبية. وبخلاف ندرتها، فإن لهذه المعادن النادرة أهمية فائقة في الحياة العصرية الحديثة، حيث لا يخلو تقريباً منزل أو مكتب في المدن الحديثة، من جهاز يعتمد بشكل أو آخر على عنصر من العناصر النادرة في أداء وظيفته، فعلى سبيل المثال: تستخدم هذه العناصر في أجهزة الهاتف المتحرك (الموبايل)، وأجهزة الكمبيوتر المحمول (اللابتوب)، وأجهزة التليفزيون الحديثة (إل. سي. دي والبلازما)، وأجهزة الليزر بتطبيقاتها المختلفة، والأجهزة الطبية مثل أجهزة الأشعة المتنقلة وأجهزة الرنين المغناطيسي، ومكونات ومحركات الطائرات، وعدسات الكاميرات، وصناعة الزجاج، وصناعة البتروكيماويات ومصافي تكرير النفط، بالإضافة إلى العديد من التطبيقات الصديقة للبيئة، مثل بطاريات السيارات الكهربائية، وتوربينات مزارع الرياح، وغيرها كثير. وليس بالخفي أن معدلات الطلب والاستهلاك البشري لهذه النوعية من الأجهزة الحديثة في ازدياد مطرد، وهو ما دفع أيضاً بالطلب على هذه العناصر النادرة إلى مستويات قياسية. وفي ظل تزايد الطلب، وندرة هذه المعادن، وكون مناجم الصين تعتبر المصدر الرئيسي لإنتاج 97 في المئة منها، أعلنت الحكومة الصينية قبل بضع سنوات عزمها خفض حجم صادراتها من هذه المعادن بقدر كبير على مدار السنوات القادمة، وهو ما أثار حالة من الذعر والهلع بين منتجي الأجهزة الحديثة في اليابان، والولايات المتحدة، والدول الأوروبية، وبقية الدول الصناعية. ويتهم البعض الصين باستخدام المعادن النادرة كورقة ضغط اقتصادي وسياسي على الدول الأخرى، وخصوصاً بعد خفض الصادرات الصينية إلى اليابان في أعقاب نشوب خلاف مرير على ملكية بعض الجزر. وهو ما تنفيه الصين بشدة، مدعية أن خفض الصادرات هدفه الوحيد الحفاظ على الاحتياطيات الحالية، وتلبية الطلب لأغراض الاستهلاك المحلي، في ظل تزايد تصنيع الأجهزة الإلكترونية الحديثة داخل الصين. وأمام هذا الوضع الاقتصادي-السياسي، اتجهت بعض الدول من خلال الشركات الخاصة، لتعدين قيعان البحار والمحيطات، بحثاً عن تلك المعادن النادرة، حيث إنه من المعروف والمؤكد أن قيعان المحيطات تحتوي على ترسبات وعروق ضخمة الكميات من المعادن النفيسة مثل الذهب والفضة والبلاتينيوم. وعلى حسب ما أعلن في 2011، اكتشفت مجموعة من الباحثين اليابانيين مخزونات هائلة من المعادن النادرة في 78 موقعاً في قاع المحيط الهادئ. وقدر حينها حجم هذا المخزون بـ100 مليار طن، وهو رقم هائل في ظل حقيقة، كون التقديرات الحالية للمخزون العالمي من المعادن النادرة في جميع دول العالم -بما في ذلك الصين- لا يزيد على 110 مليارات طن في الوقت الراهن، ويقع مجال تعدين قيعان البحار والمحيطات، تحت إشراف وإدارة منظمة تابعة للأمم المتحدة، تعرف بـ«الهيئة الدولية لقيعان البحار» (International Seabed Authority)، وهي منظمة دولية مستقلة، تم تأسيسها عام 1982 طبقاً لقانون أعالي البحار، ووفقاً لاتفاق عام 1994 الخاص بتطبيق الجزء الحادي عشر من القانون، وتختص هذه المنظمة بإصدار التراخيص والتصاريح للدول والشركات الراغبة في تعديد المصادر الطبيعية في قيعان البحار والمحيطات، أو حتى تحت هذه القيعان، وبالفعل أصدرت الهيئة الدولية لقيعان البحار 13 «رخصة منجم» منذ عام 2001 وحتى الآن، وحالياً تبحث الهيئة في إصدار سبع رخص جديدة. وإن كان البعض يخشى من أن أعمال التعدين في المناطق البحرية العميقة، سيلحق ضرراً شديداً بالنظم البيئية الحيوية في هذه المناطق، والتي تتكون من أنواع وأشكال عديدة من الحياة، لا زال الجزء الأعظم منها غير معروف للبشر أو حتى للعلماء. وتتزايد هذه المخاوف على خلفية أن النظام البيئي الموجود في قيعان المحيطات، والمحتمل التعرض للتلف والتدمير بسبب التعدين، يشكل جزءاً من المنظومة الأعم للتوازن البيئي الحيوي على الكوكب، وهو التوازن الذي قد يختل برمته إذا اختل توازن أحد مكوناته.