ربما لا يمكن لأحد أن يلوم رئيسة الوزراء البريطانية «تريزا ماي» بسبب دعوتها إلى إجراء انتخابات مبكرة في الوقت الراهن، رضوخاً لإلحاح المسؤولين في حزبها «المحافظ»، ذلك أن الحزب يتقدم بفارق 21 نقطة مئوية في استطلاعات الرأي، وحزب «العمال» المعارض ضعيف ومنقسم، والاقتصاد لم يعانِ بعد من التذبذبات التي كانت متوقعة في أعقاب استفتاء العام الماضي على الخروج من الاتحاد الأوروبي «بريكست»، ويعني ذلك أنه لا يوجد وقت أفضل من ذلك لسحق المعارضة وتعزيز أغلبية «المحافظين». ورغم أن قرار «ماي» خاطئ من الناحية الاستراتيجية فهو ماهر على الصعيد التكتيكي، فهي تجازف بخسارة مصداقيتها، لا سيما أنها وعدت بألا تشتِّت انتباهها بحملة انتخابية، وتركز على تفاصيل «بريكست»، قبل انتهاء فترة الوزارة الحالية في 2020، لكنها الآن تتخلى عن وعدها، وفي حين اعتاد الناخبون على رجوع السياسيين في وعودهم، وأنه من الممكن الصفح عن وعدها، إلا أن تبدّل مواقف السياسيين مسألة لا تُنسى، وسيتساءل الناخبون ما إذا كانت ستعيد التفكير في تعهدات أخرى، إذا حظيت بميزة سياسية. وعلاوة على ذلك، تجازف «ماي» بانتهاك مبدأ «الإنصاف» الذي يقدره البريطانيون، وقد أطلقت طلقة البداية قبل تهيئة أجواء المنافسة. ومن منظور «الإنصاف»، من القاسي أن تُعقد انتخابات الآن، في ضوء الحالة الصعبة التي يعاني منها «حزب العمال». وفي بداية العام، أقرّت «فابيان سوسيتي»، التي تعتبر أقدم مؤسسة بحثية في بريطانيا، بأن «حزب العمّال لا يمكن انتخابه»، وقد كانت هذه ضربة كبيرة، لا سيما أن «فابيان سوسيتي» ساعدت في تأسيس الحزب، ولطالما كانت مقربة من قضاياه، وقد أضحى تهديد أن تصبح بريطانيا أحادية الحزب حقيقية لدرجة أن مجلة «ذي إيكونوميست» نشرت ذلك على صفحتها الأولى. وقد حذّر «جامي ريد» عضو البرلمان السابق عن حزب «العمال»، الذي تنحى في ديسمبر (قبل أن تتحول دائرته الانتخابية إلى المحافظين)، «إن المستقبل ليس مديناً لنا بشيء، وليس لنا حقّ مقدس في الوجود». وفي هذه الأثناء، لا يوجد لحزب «استقلال المملكة المتحدة» زعيم معترف به، ولا رسالة واضحة، وأما «الحزب الديمقراطي الليبرالي»، الذي كان ذات مرة شريكاً في ائتلاف مع «المحافظين»، تراجع عدد مقاعده إلى 9 فقط! تريز رافييل: صحفية بريطانية يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»