الأسبوع الماضي، بدت العاصمة الفنزويلية كراكاس مرة أخرى كما لو كانت على شفا ثورة، حيث ملأت غيومُ الغازات المسيلة للدموع وزخاتُ الرصاص المطاطي الطرقَ في وقت خرج فيه عشرات الآلاف من الفنزويليين إلى الشوارع لتغيير الحكومة التي يقودها حالياً نيكولاس مادورو. أسباب الغضب الشعبي عديدة: ليس عدم اهتمام مادورو بالقواعد الديمقراطية، ولكن أيضاً النقص الحاد جداً في المواد الغذائية لدرجة أن ثلاثة أرباع الفنزويليين يقولون إنهم فقدوا أوزانهم بسبب نقص الطعام، ناهيك عن أسوأ معدلات التضخم وجرائم القتل في العالم. فنزويلا أثبتت أنها مقاومة شرسة للآليات الناجعة التي تقي البلدان متوسطة الداخل عادة وتخفف من وطأة سقوطها، وبالمقابل أخذت البلاد تبدو أشبه بزيمبابوي أميركا اللاتينية. لماذا؟ الأمر يتعلق بضلوع بعض المسؤولين الحكوميين في التهريب الدولي للمخدرات ونهب العائدات النفطية، وعلاوة على ذلك، فإن أجهزة الأمن والاستخبارات تستعين بمستشارين ومشرفين من كوبا، التي تمكنت من تحويل دولة عضو في «أوبيك»، بسكان يبلغ عددهم ثلاثة أضعاف سكانها، إلى دولة تابعة. غير أن فنزويلا تخبرنا أيضاً بقصة أفول الزعامة الأميركية، فخلال المئة سنة الماضية على الأقل، كان تصور الولايات المتحدة لمهمتها الدولية يشمل تصميماً قوياً على عدم السماح لدولة أخرى في أميركا اللاتينية بالفشل، وهو ما كان يشجع أحياناً على أعمال إمبريالية خاطئة من قبل واشنطن، مثل تشجيع الانقلابات أو إرسال قوات «المارينز» بشكل مباشر، ويذكر هنا أن آخر غزو - غزو هايتي - وقع قبل 23 عاماً فقط. وفي السنوات الأخيرة، أخذ ذلك يعني استخدام النفوذ الاقتصادي والعسكري لفرض التغيير الديمقراطي – على غرار ما وقع في نيكارجوا والسلفادور في أواخر الثمانينيات – أو إنقاذ ديمقراطية آخذة في السقوط، مثلما حدث في كولومبيا بعد 2000. الفنزويليون، بدءاً من تشافيز، كانوا دائماً يتوقعون أن تتدخل واشنطن في الفوضى التي تسبب فيها بعد 1998. وإلى اليوم، يزعم مادورو بشكل مستمر أن الغزو الأميركي وشيك، ولكن العكس تماماً هو ما حدث. فعلى مدى ثلاث إدارات أميركية، كانت السياسة الأميركية تقوم على تجنب أي عمل قد يؤوَّل على أنه تدخل في فنزويلا، وذلك على اعتبار أن ذلك لن يخدم إلا أنصار الحركة التشافيزية، عبر السماح لهم بتصوير واشنطن على أنها قوة إمبريالية معتدية. واستخدم تشافيز ومادورو «الحكم المطلق» كذريعة للقمع في جميع الأحوال – وفي الأثناء، لم تفعل الولايات المتحدة شيئاً لحماية الفنزويليين من الكارثة السياسية والاقتصادية: ليس الإحجام عن عمل عسكري – وهو ما لم يكن وارداً أبداً – بل لم تكن ثمة أي عقوبات اقتصادية جادة حتى عندما أخذ جنرالات فنزويليون يهرِّبون الكوكايين إلى الولايات المتحدة على متن طائرات. والواقع أن الفراغ الذي تركته الزعامة الأميركية سُدَّ من قبل أمين عام «منظمة الدول الأميركية» الجديد النشط «لويس آلماغو»، الذي سعى جاهداً منذ توليه هذا المنصب لممارسة الضغط على «مادورو»، غير أنه من غير المرجح أن تنقذ المنظمة فنزويلا، وبالمقابل فإن البلد الذي كان في يوم من الأيام حليفاً ديمقراطياً قوياً للولايات المتحدة، والأغنى في أميركا اللاتينية، قد يكون قدره سنوات أخرى من العنف والجوع – في وقت تشيح فيه قوةٌ عظمى سابقة بنظرها عنه. جاكسون ديل محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»