بينما تواجه إدارة ترامب الطموحات النووية للزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، والتداعيات الخطيرة لحرب بشار الأسد الكيماوية على المدنيين السوريين، يجدر التذكير بأن الديكتاتوريْن يتحكمان أيضاً في وحدات إلكترونية سيبرانية. وظاهرياً، يُعتبر تأثير هذه الوحدات أقل خطورة بكثير من دول أخرى، ويمكن بكل سهولة التقليل من شأنه. غير أنه في الحالات القصوى، يمكن أن يكون للهجمات السيبرانية تأثير مدمر. يُذكر هنا أن الصين وروسيا، إضافة إلى الولايات المتحدة أيضاً في الحقيقة، قامت منذ مدة بزرع ألغام سيبرانية داخل أنظمة التحكم التي تنظم البنية التحتية لكل بلد من هذه البلدان. غير أنه إذا كان الطابع المعقد للعلاقات بين هذه الدول الثلاث، يجعل من المستبعد جداً أن تقدِم أي منها على إطلاق أقوى أسلحتها السيبرانية على الآخرين، فإنه لا وجود لقيود من هذا القبيل بين الولايات المتحدة وسوريا أو كوريا الشمالية. ونظراً لاعتمادها الكبير جداً على الإنترنت، فإن الولايات المتحدة قد تكون هي الدولة الأكثر هشاشة من بين كل الدول. ولنأخذ على سبيل المثال، الغضب السيبراني الذي يفترض أن كيم صبّه على شركة «سوني بيكتشرز إنترتينمنت» الأميركية في 2014. فالزعيم الكوري الشمالي الذي كان غاضباً، مثلما كان متوقعاً، من إنتاج الشركة لفيلم «ذي إنترفيو» («المقابلة»)، وهو فيلم كوميدي حول مخطط اغتيال كيم من قبل صحافيين تلفزيونيين أميركيين، يبدو أنه أخذ ثأره لنفسه عبر إصداره أمراً بمهاجمة النظام الحاسوبي بشركة «سوني بيكتشرز». ونتيجة لهذا الهجوم، ظل النظام مشلولاً لمدة طويلة. ونُشرت الميزانيات وأجور المديرين والممثلين النجوم. كما زعم القراصنة أيضاً أن لديهم أكثر من 100 تيرابايت من البيانات الخاصة بـ «سوني بيكتشرز»، محذِّرين الشركة من عرض الفيلم. وهو ترهيب نجح في تحقيق أهدافه بضعة أسابيع، ولكن الشركة التي انتُقدت علناً من قبل المدافعين عن حرية التعبير والرئيس باراك أوباما بسبب فشلها في الانتصار لحرية التعبير، عمدت لاحقاً إلى توزيع الفيلم على أكثر من 300 قاعة سينما. والانخراط الشخصي للرئيس في هذه القضية، إضافة إلى تحذيره من أن الولايات المتحدة «سترد بشكل متناسب» على كوريا الشمالية في الوقت الذي تراه مناسباً، عكس إدراكاً للتداعيات الكبيرة التي أفرزها الهجوم. وكانت «سوني بيكتشرز» قد ضخت استثمارات ضخمة في الحماية السيبرانية، بما في ذلك إقامة ما لا يقل عن 42 جداراً نارياً. ولكن فشل ذلك النظام أبرز واحدةً من القواعد الأساسية للحرب السيبرانية: أن الهجوم الذي يقف وراءه مهاجمون مصممون دائماً ما يهزم الدفاعات الموجودة. ثم هناك حالة «الجيش الإلكتروني السوري»، الذي تبنى المسؤولية عن قرصنة حساب وكالة «أسوشييتد برِس» على موقع «تويتر». ففي 23 أبريل 2013، صدرت عن ذلك الحساب تغريدة كاذبة: «عاجل: انفجاران في البيت الأبيض، وباراك أوباما مصاب». وفي غضون دقائق قليلة، أصدرت «أسوشييتد برس» نفياً وتصحيحاً. غير أن الضرر كان قد حدث: خسارة 136 مليار دولار من القيمة السوقية للأسهم، وإنْ كان السوق قد تعافى بسرعة. وهذا الهجوم الذي ربما مثّل بالفعل عملاً تخريبياً صبيانياً أرعن (ونقصد بذلك التغريدة التي أُرسلت على حساب «أسوشييتد برس» على تويتر)، كان يمكن أيضاً أن يكون تحذيراً أكثر تطوراً من قبل سوريا: تحديد بشار الأسد لـ «خط أحمر» خاص به، وتذكير ودي بأنه إذا كانت عملية اختراق لحساب على «تويتر» يمكن أن تؤدي إلى هبوط في القيمة السوقية للأسهم بـ 136 مليار دولار، فإنه قد يكون من المفيد تصور ما قد يتسبب فيه هجومٌ أكثر تطوراً وتعقيداً على النظام المصرفي الأميركي مثلاً. وبغض النظر عن الأسباب، فإن إدارة أوباما لم تقم بأي عمل عسكري ضد سوريا. واليوم، وبينما يدرس الرئيسُ دونالد ترامب خياراته تجاه سوريا وكوريا الشمالية، ربما يجدر بمستشاريه أن يذكّروه بأن الحرب السيبرانية تساوي ساحة المعركة بين قوة عسكرية من الصنف الثاني أو الثالث والقوة العسكرية العظمى في العالم من دون منازع. صحيح أن الهجوم السيبراني ليس مثيراً للخوف مثل شبح صاروخ كوري شمالي باليستي عابر للقارات محمل برأس نووية، ولا مثيراً للقلق مثل الإرهاب الكيماوي أو البيولوجي، ولكن تنفيذه أسهل وحدوثه أرجح! تيد كوبل: كاتب أميركي متخصص في الأمن الإلكتروني ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبرج نيوز سيرفس»