جاءت الضربة الأميركية على قاعدة «الشعيرات» الجوية، التي حلّقت منها طائرات الشر لرش السلاح الكيمياوي على أهالي خان شيخون، في الوقت المناسب تماماً، وبالشكل الحاسم واللافت لإيقاف تهور «مجرم الحرب»، منع شن حملات إبادة أخرى على السوريين، وردع إرهاب المليشيات الإيرانية ومنعها من الاستمرار في ممارسة مزيد من العربدة والعنف والقتل والتنكيل بحق الشعب السوري. وضربةالـ 59 صاروخ «توماهوك» القاصمة التي انطلقت من مدمرتين أميركيتين في شرق البحر المتوسط يأتي رداً على الهجوم الكيماوي الذي وقع في مدينة "خان شيخون" الواقعة في شمال غرب إدلب، ومن شأنها الحد، عملياً، من نزيف الدم الذي تسبب فيه النظام السوري ومن يدعمه، بعد أن أوغل هذا النظام بعيداً في التهور والعناد والتعنت والولوغ في الدماء، وقد قتل في هذ الهجوم المشؤوم أكثر من 100 شخص بينهم أطفال، الأمر الذي اعتبره خبراء عسكريون وسياسيون من أشرس هجمات الأسد ضد الشعب السوري، وقد ظل المدنيون السوريون العزل يتعرضون لكل صور الإبادة الجماعية منذ نشوب هذه الحرب في سوريا. وقد لقيت الضربة الأميركية ترحيباً دولياً واسعاً ونابعاً من إستنفاد «الصبر العالمي» من ممارسات النظام السوري والمليشيات الإيرانية ضد الشعب السوري، ولذلك توالت ردود الفعل المرحبة والداعمة من كافة دول العالم، لتوجه ترامب لضرب بشار وحلفائه في عقر دارهم، فجاءت هذه الضربة كرسالة طمأنة للعالم بعد سنين عجاف من الموقف الأميركي المتردد في عهد أوباما التي قضاها العالم كله يلومه على تقصيره في سوريا وغيرها من المناطق وبؤر التوتر العالمية الأخرى التي عانت من التخاذل الدولي وتركت مكشوفة أمام ويلات معسكر الشر وإرهابه. ويتوقع استمرار الضغط الدولي على ترامب وإدارته، ومطالبته بالوفاء بالوعود التي قطعها على نفسه في حملته الانتخابية. وأقله ألا تقف أميركا مكتوفة الأيدي أمام ما يفعله الأسد من مجازر يندى لها جبين البشرية ويتمزق لها ضمير العالم أجمع. وعلى رغم أن الضربة الأميركية على مطار الشعيرات كانت محدودة إلا أنها حققت عدة أهداف ومكاسب تفوق الهدف المُعلن والمُتمثل في معاقبة نظام الأسد على استخدام الكيماوي، ويمكننا القول إن ترامب استطاع بهذا التدخل أن يضرب أكثر من عصفور بحجر واحد، فقد كانت ضربة معلّم حقاً، إن جاز التعبير. وبطبيعة الحال فالهدف الأول من الضربة الأميركية، رغبة في ردع النظام السوري ومنعه من استخدام الأسلحة الكيماوية مجدداً، والقضاء على الطائرات والأسلحة التي تمكنه من إستخدام الكيماوي ضد الشعب السوري. وقد أسفرت الضربة عن دمار شبه كامل في المطار العسكري المستهدف، وقلصت القدرات الكيماوية للنظام السوري، وحطمت تسع طائرات تابعة للنظام مستخدمة في الهجوم على خان شيخون في أدلب. والأهم في تلك الضربة أن الرئيس ترامب ظهر أمام الخصوم والحلفاء، على السواء، بمظهر الرئيس الحاسم والعازم على استعاده الدور الأميركي في المنطقة، وعدم ترك الساحة الشرق أوسطية مرتعاً وملعباً للمليشيات الإيرانية وأعوانها، خلافاً لسلفه أوباما الذي رسم خطاً أحمر للأسد يحظر عليه استخدام الكيماوي، وحينما تجاوزه في أغسطس 2013 لم يرد عليه عسكرياً، بل عقد فقط اتفاقية مع روسيا لحرمان الأسد من أسلحته الكيماوية، وهو الأمر الذي تبين لاحقاً أنه لم يتم بشكل كامل، حسب منظمة حظر الأسلحة الكيماوية. كما نجح ترامب أيضاً، عبر ضرب نظام الأسد، وهو النظام الذي تدعمه موسكو عسكرياً وسياسياً، في استعادة الدور القيادي الأميركي بعد أن تراجع كثيراً أمام الروس الذين حققوا مكاسب كبيرة في أيام أوباما، حيث عززوا وجودهم في الشرق الأوسط وتحديداً في سوريا، وسيطروا على شبه جزيرة القرم التي كانت تابعة لأوكرانيا. كما أن الضربة كانت خطوة للوفاء بوعوده الانتخابية في السياسة الخارجية بإعادة أميركا أمة عظيمة وقطباً دولياً أوحد، كما تعهد فيها أيضاً بوضع حد للتمدد الإيراني وكبح ميليشيات طهران، التي تدعم الأسد في سوريا، كما أن الضربة الأميركية في سوريا أغضبت أيضاً روسيا بدرجة كافية لتبديد بعض الاتهامات والشبهات التي طالت علاقة ترامب القوية بموسكو واتهامه بالتساهل معها، وهي مزاعم لطالما لاحقته خلال الحملة الانتخابية، وحتى بعد الوصول إلى البيت الأبيض. هذا علاوة على أن الضربة الأميركية في سوريا تُنبئ أيضاً بأن التهديدات التي أطلقها ترامب ضد كوريا الشمالية وإيران ليست «لفظية»، بل إنه يعني ما يقول، ومن الممكن أن تُنفذ تلك التهديدات على أرض الواقع إذا اقتضت الضرورة ذلك، والرد على أية تحديات منهما في الوقت المناسب وبالشكل الذي يمنعهما من تهديد العالم بأسلحتهما النووية وصواريخهما الباليستية. وأخيراً جاءت الضربة في توقيت آخر محسوب بعناية أيضاً، إذ تزامنت مع لقاءات جمعت بين الزعيمين الأميركي والصيني، الأمر الذي جعل الصين تخفف من لهجة انتقادها لضرب نظام الأسد، تمهيداً لاستمالتها بعيداً عن معسكر الدب الروسي.