بالاستماع إلى خطاب حملته الانتخابية، فإن آخر ما قد يتوقعه المرء من دونالد ترامب كرئيس هو أن يسعى وراء شن حرب برية في الشرق الأوسط، وهو الذي فاز بترشيح الحزب الجمهوري العام الماضي بعد حملة عارض خلالها بقوة حملة بوش الابن في العراق، وحرب أوباما في ليبيا. ولكن مثلما تُظهر رئاسة ترامب الفتية، فإن العديد من مواقفه في مجال السياسة الخارجية كمرشح ليست ثابتة وراسخة، مثلما كان يأمل أنصاره. على أن الأمر لا يقتصر فقط على ضرب ترامب للنظام السوري مؤخراً بعد الهجوم الكيماوي الذي شنه في خان شيخون، أو بتغير موقفه مؤخراً أيضاً من التلاعب بالعملة الصينية وحلف «الناتو»، بل يمكن القول إن مفاجأة الرئيس الكبيرة في السياسة الخارجية لم تأتِ بعد. فقد أخبرني مسؤولون رفيعو المستوى في الإدارة والبيت الأبيض بأن مستشار ترامب للأمن القومي الجنرال إتش آر. ماكماستر يحث زملاءه في صمت على التشكيك في المرتكزات المنطقية الأساسية لمسودة مخطط حرب ضد تنظيم «داعش» ينص على الإبقاء على وجود خفيف لقوات برية أميركية في سوريا. ويقول منتقدو ماكماستر داخل الإدارة إنه يريد إرسال عشرات الآلاف من الجنود البريين إلى وادي نهر الفرات، ولكن أنصاره يشددون على أنه إنما يحاول تحقيق تعاون وتنسيق بين الوكالات قصد تطوير استراتيجية ترامب الجديدة لهزيمة «الخلافة» المزعومة التي تسيطر على الأراضي في العراق وسوريا. وماكماستر، الذي يميل إلى التكتم، لم يكشف رسمياً عن أي دعم لنشر قوات برية تقليدية في سوريا. ولكنه في مقابلة مع برنامج «فوكس نيوز» يوم الأحد الماضي، قدّم بعض الإضاءات المتعلقة برأيه في الاستراتيجية العامة ضد «داعش» إذ قال: «إننا نجري عمليات فعالة جداً إلى جانب حلفائنا في سوريا وفي العراق لهزيمة «داعش» وتدميره، وإعادة بسط سيطرتنا على الأراضي، والسيطرة على أولئك السكان وحمايتهم، والسماح للاجئين بالعودة (لديارهم)، وبدء إعادة الإعمار». وهذا شيء مهم في رأيي. فأوباما لم يسبق له أبداً أن قال إن هدف التدخل الأميركي في العراق وسوريا هو هزيمة «داعش»، ناهيك عن حماية السكان من التنظيم وبدء إعادة الإعمار. والواقع أن هذه الأهداف هي أقرب ما تكون إلى أهداف استراتيجية الزيادة التي تبناها بوش الابن للعراق في نهاية ولايته الثانية، والتي كانت تقوم بموجبها القواتُ التقليدية الأميركية المرافقة للجيش العراقي بـ«تطهير، وإمساك، ثم إعادة إعمار» المناطق التي كانت تحت سيطرة «القاعدة». والواقع أن ماكماستر نفسه ليس غريباً على استراتيجية الزيادة تلك. فحين كان شاباً ضمن القوات الأميركية في العراق، كان أحدَ الضباط العسكريين الأوائل الذين شكّلوا تحالفاً مع القوات المحلية في تلعفر لهزيمة تنظيم «القاعدة في بلاد الرافدين». وخلال حرب العراق، أصبح ماكماستر أيضاً أحد أقرب مستشاري ديفيد بترايوس، الجنرال الأميركي ذي الأربع نجمات الذي قاد استراتيجية محاربة التمرد في العراق، التي هزمت «القاعدة في بلاد الرافدين» -وحققت سلاماً مؤقتاً وهشاً هناك. غير أن ذلك السلام سرعان ما انقضى بعد سحب أوباما للقوات الأميركية من العراق في نهاية 2011. ولم يعتذر أوباما عن ذلك القرار طبعاً، على رغم أنه قد اضطر لإرسال قوات عمليات خاصة إلى العراق في صيف 2014 بعد أن سيطر «داعش» على الموصل، التي تُعد ثاني أكبر مدينة في العراق، محاججاً بأن القوات الأميركية في العراق كانت ستَعلق في حرب أهلية لو بقيت هناك. ولكن مستشاري بترايوس العسكريين السابقين كان لهم رأي آخر مختلف، إذ كانوا يحاججون بأن تخلي أميركا عن العراق منح الأغلبيةَ الشيعية هناك رخصةً لانتهاج أجندة طائفية وفّرت فرصة سياسية وعسكرية لتنظيم «داعش»، مشددين على أن وجوداً أميركياً نشطاً في العراق كان سيكبح تلك القوات الطائفية. وأحد أولئك المستشارين كان إتش. آر. ماكماستر. واليوم، ينبغي على ترامب أن يقرر ما إن كان سيختبر نظرية معسكر بترايوس أو سيحاول هزيمة تنظيم «داعش» بواسطة وجود عسكري خفيف في سوريا. وبعبارة أخرى، فإن على ترامب أن يقرر ما إن كان يريد خوض حرب بوش أم مواصلة حرب أوباما. إيلي ليك محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبرج نيوز سيرفس»