ضعف الحملة الرئاسية الفرنسية.. وقوة سياسة ترامب الخارجية لوموند نشرت صحيفة لوموند يوم أمس السبت افتتاحية بعنوان: «الرئاسيات: أزمة أعصاب وطنية»، قالت في بدايتها إن حملة الانتخابات الرئاسية الفرنسية لهذا العام شذت عن القاعدة السياسية المتعارف عليها منذ قرابة نصف قرن، حيث اعتاد الفرنسيون على أن تكون الحملات الرئاسية محركاً قوياً للتجديد السياسي، والتفاعل بين الطبقة السياسية والناخبين، وصعود قيادات جديدة تفرض نفسها من خلال قوة الحملات، وتشكيل تحالفات كبرى على اليسار واليمين، ولكن الحملة الراهنة سارت في الاتجاه المعاكس لكل هذه التقاليد السياسية تماماً، ويمكن القول إنها قد كرست نوعاً من التفكك السريع في الأفق السياسي العام. هذا فضلاً عن عدم تمكنها أيضاً من طرح القضايا السياسية والاقتصادية الضاغطة لدى الفرنسيين العاديين. وليس هذا فقط، فالأرجح أيضاً أن تذكر هذه الانتخابات في المستقبل باعتبارها الأولى في عهد الجمهورية الخامسة التي كرست بداية اختلال في موازين القوى بين التيارات السياسية الكبرى المعتبرة طيلة العقود الماضية هي التيار الرئيس في المشهد السياسي الفرنسي، وربما تعتبر أيضاً بداية صعود لقوى سياسية أخرى ظلت تلعب في الهامش حتى وقت قريب. ويكفي في هذا المقام أن مرشحي الحزبين الكبيرين، اللذين حكما فرنسا منذ عدة عقود، وهما الحزب الاشتراكي واليمين الجمهوري، لا تعطيهما معاً استطلاعات الرأي الآن سوى ربع نوايا التصويت، ونحن على بعد أيام قليلة من موعد الاقتراع في دوره الأول، وهذا ما يجعلهما في دائرة الخطر باحتمال الإقصاء وعدم تأهل أي منهما للدور الثاني في النهاية. وحتى في انتخابات 2002، غير القياسية، لم تصل الأمور بالتيار الرئيسي في المشهد السياسي الفرنسي إلى كل هذا الانهيار. والأمر الأخطر، الذي يلوح في الأفق الآن، أن اليسار المتطرف واليمين المتطرف ربما يتجهان الآن، لأول مرة في تاريخ البلاد، لتصدر المشهد، وهما يبدوان الآن قادرين على قلب قواعد اللعب، بل قلب الطاولة كلها على المنظومة السائدة، وهما الآن في موقع قد يمكّن مرشحيهما فعلاً من التأهل للدور الثاني الحاسم، من الرئاسيات. والأخطر من هذا كله أن أغلبية من الناخبين تبدو مستعدة أيضاً لدعم مرشحين لا يقيمون اعتباراً كبيراً لكثير من تقاليد تسيير الاقتصاد وسد ثغرات الميزانية وتقليص الدَّين العام. وليس خلواً من المعنى أيضاً أن ثمانية من المترشحين الأحد عشر لا يخفون كذلك مواقفهم غير الإيجابية تجاه الاتحاد الأوروبي، ويعدون بمستويات مختلفة من الانسحاب منه ومن منطقة اليورو، وكأن فرنسا قادرة بإمكانياتها الخاصة على الوقوف وحدها في وجه التحديات الهائلة التي تقف في طريقها اليوم، سواء في ذلك تحدي تغير المناخ أم أزمة الهجرة وتهديد الإرهاب. هذا بدلاً من التعهد بتكثيف كافة صور الشراكة والتعاون والتضامن مع شركائها الأوروبيين، الذين لا تستطيع اجتراح أية حلول لكل هذه المشكلات الجارفة من دون العمل معهم سوياً، وعلى الصعد كافة. وفوق هذا لا يخفي أيضاً بعض المرشحين المهمين في هذه الرئاسيات وهم فرانسوا فيون، ومارين لوبن، وجان لوك ميلانشون، مواقفهم الإيجابية بشكل ملفت تجاه روسيا. وفي الأخير اعتبرت الصحيفة أن كل هذا المآل الفاجع الذي انتهت إليه أحزاب التيار الرئيس والنخب التقليدية سببه الأول والأخير هو سياسات هذه الأحزاب وانفصالها عن اهتمامات عامة الفرنسيين، فهي من عبّدت الطريق لرواج أكثر البرامج والخطابات شعبوية وأقلها واقعية. وبفشل النخب في حل المشكلات المزمنة كمشكلة البطالة المتفشية، وتراجع تنافسية الشركات، واتساع هوة الفروق في الدخل وعدم المساواة الاجتماعية والجهوية، ومأزق المشروع الأوروبي ككل.. فقد الفرنسيون الثقة في قادتهم وأحزابهم الكبرى. ولكن هل هذا مبرر كافٍ وحده لإلقاء الرضيع مع ماء الغسيل؟ تتساءل الصحيفة، وهل يبرر فشل ساسة التيار الرئيس التخلي عن عدم الرهان على المستقبل، أو منح الثقة للبرامج غير الواقعية والتيارات المتطرفة الشعبوية، وجعل البلاد تخلد لخدر أزمة أعصاب، لا أحد يعرف كيف ستخرج منها إن ارتمت فيها الآن؟ طبعاً ليس الأمر لعباً، لأنه يتعلق بطريقة اختيار رئيس للقوة الخامسة على مستوى العالم! لوفيغارو ضمن تغطياتها للحملة الانتخابية نشرت صحيفة لوفيغارو موضوعاً يتحدث عن «العلاقات السرية لمارين لوبن على المستوى الدولي»، وفيه غمزت من طرف خفي في وجود صلات لزعيمة الجبهة الوطنية مع أطراف خارجية بعضها يصنف تقليدياً ضمن خانة خصوم فرنسا وحلفائها، وفي مقدمتهم روسيا على سبيل المثال لا الحصر. وذكرت الصحيفة أن لوبن تستفيد في صلاتها الخارجية من شبكة علاقات والدها المعقدة. وقد استقبلت بحفاوة في موسكو، كما بدأت أيضاً تستقطب الاهتمام في واشنطن، بعكس استمرار الموقف السلبي المعتاد منها في كل من برلين ولندن. وفي المقابل نشرت الصحيفة أيضاً عموداً للكاتب اليميني إيفان ريوفول تحت عنوان: «فخ الفرانكوفوبيا في الحملة المناهضة للوبن»، قال فيه إن ما يسمون أعداء العنصرية يحملون في قلوبهم موقفاً مسبقاً بالغ السلبية من كل مَن كان فرنسياً صرفاً، في الأصل والمنبت. وكذلك من ينكرون عملية الإحلال السكاني يواصلون هم أيضاً العزف السلبي على وتر حساس هدفه استمالة الناخبين من أصول مهاجرة. واستشهد الكاتب هنا بفقرة من خطاب المرشح المستقل الذي يتصدر السباق الآن، إيمانويل ماكرون، حيث عبّر في خطاب بمدينة مارسيليا، يوم السبت، عن روح منفتحة مرحبة بالآخر الفرنسي من أصول مهاجرة، وهذا ما يثير طبعاً غضب الكاتب، إلى أبعد الحدود. ليبراسيون نشرت صحيفة ليبراسيون تحليلاً موسعاً لاثنين من مراسليها تحت عنوان: «سوريا، أفغانستان وكوريا الشمالية، دونالد ترامب على كافة الجبهات»، استعرضا فيه كثرة الملفات الشائكة والتحديات الدولية الضاغطة على أجندة الرئيس الأميركي الجديد، مبرزين في هذا الصدد الدخول القوي الذي اجترحه ترامب على حلبة السياسة الخارجية بتوجيه ضربة صاروخية للنظام السوري، عقاباً على استخدامه السلاح الكيماوي ضد المدنيين في بلدة خان شيخون. كما أبدى ترامب أيضاً موقفاً حازماً في دعم مصر في مواجهة تحدي الإرهاب بعد الهجوم الإرهابي الذي وقع هناك على كنيستين. وفي أفغانستان أبرزت الصحيفة أيضاً قوة دخول ترامب، مع استخدام الجيش الأميركي واحدة من أكبر القنابل ضد مسلحي تنظيم «داعش» هناك. وبالمثل استخدم ترامب كذلك خطاباً قوياً وحازماً مشفوعاً بتحركات عسكرية للضغط على كوريا الشمالية، متعهداً بتسوية ملفها النووي، بدعم من الصين، أو حتى من طرف واحد، ودون حاجة إلى دعم أحد. إعداد: حسن ولد المختار