اتهامات وتهجمات وصلت إلى حد الابتذال والتشهير بين مرشحي التيارات السياسة الإيرانية التي تنضوي جميعها تحت مظلة نظام الولي الفقيه الفكرية، ولا تتعدى المعتقد الخميني والإرادة الخامنئية والسيطرة الثورية في عملها التنفيذي أو التشريعي أو السياسي، ومع اقتراب الانتخابات الرئاسية المقرر عقدها في 19 مايو المقبل تحتدم هذه الانقسامات، وتتكشف أوراق الجميع من فساد واتهامات بتبني المصالح الفردية والفشل في إدارة البلاد، ما يصب جميعه في مصلحة المرشد من باب "فرق تسد"، غير أن المنسي في هذه القاعدة أن الشعوب الإيرانية باتت على يقين بأن حكومات بلاده التي تعمل لمصلحة النظام فقط، لا يمكنها أن تدير الدولة وتعمل لصالح الشعب. بالنسبة للأصوليين فقط أثبتوا عن طريق أحمدي نجاد فشلهم الذريع في إدارة البلاد، حيث تردت الأوضاع السياسة والاجتماعية والاقتصادية في الدورتين اللتين ترأسهما أحمدي نجاد، ليصل الانقسام السياسي والتردي المعيشي إلى أسوأ الأحوال طوال حكم النظام الحالي منذ عام 1979، جعلت الشعب الإيراني يتجه نحو "الإصلاحيين" في اقتراعهم، وكانت النتائج تشير إلى تقدم مير حسين موسوي المرشح الإصلاحي على نجاد بفارق كبير، غير أن تزوير الانتخابات والإعلان عن فوز مرشح الأصوليين والحرس الثوري نجاد أدى إلى اندلاع مظاهرات عارمة احتجاجاً على تزوير الانتخابات لصالح "المحافظين"، وكادت أن تسقط هذه المظاهرات نظام الولي الفقيه لولا القبضة الحديدية لأجهزته الأمنية والعسكرية وقمعها للمتظاهرين، وها هم اليوم يعيدون الكرة، ويرشحون أحمدي نجاد، رغم أن خامنئي نصحه بعدم الترشح، إلا أن المرشد على ما يبدو قد تراجع عن رأيه، وسمح لنجاد بالترشح مرة أخرى ليقدمه باعتباره الرأس العنيد أمام ترامب، متناسياً والتيار المتشدد والحرس الثوري أي اعتبارات للشعوب الإيرانية التي أعلنت مرات رفضها الكامل للتيار الأصولي. ورغم إعلان "إبراهيم رئيسي" ترشحه كمستقل، ما اعتبر بعض المحللين ذلك هزيمة سياسية وصفعة للتيار المتشدد، الذي لم يعد قادراً على ترتيب بيته الداخلي بعد كثرة الخلافات والانقسامات التي عصفت به، وتقديم مرشح متوافق عليه من قبل أجنحة الأصوليين وخاصة "جمنا" الجبهة الشعبية لقوى الثورة، ورغم افتقار "رئيسي" لأية خبرة في العمل التنفيذي، وعدم وجود قاعدة شعبية له، إلا أنه سيحظى بدعم المرشد والتيار المتشدد والحرس الثوري، لأن فشله في الانتخابات يعني فشل خطة المرشد والحرس الثوري والمتشددين في إيصاله لمنصب المرشد بعد رحيل خامنئي، ما يعني وجود تخطيط ونوايا لتزوير الانتخابات لصالح "رئيسي"، وهو ما يفسر ترشحه كمستقل وتقديم نجاد ككبش فداء ومحاولة تهديد الغرب به. أما الإصلاحيون الذين يُتهم رموزهم أمثال مير حسين موسوي، ومهدي كروبي، وزهراء رهنورد، ومحمد خاتمي وغيرهم بالفتنة والعمل للإطاحة بنظام الولي الفقيه ورفضه، فقد تم إبعادهم عن الساحة السياسية والتخلص منهم في فرض الإقامات الجبرية عليهم وإلصاق التهم لهم، وتقديم إصلاحيين جدد كطريقة مخادعة للنظام بدلاً من حذف الوجه الإصلاحي للدولة أمام الداخل والخارج، فظهرت شخصيات محافظة وأخرى معتدلة تنادي بالصوت "الإصلاحي"، ولكن دون التعدي على خطوط المرشد الحمراء. وحسب تصريحات المسؤولين الإيرانيين وخاصة رموز النظام والتيار المتشدد والحرس الثوري، فإن روحاني أثبت فشله كاملاً في إدارة البلاد، ورغم الخطأ الذي ارتكبه في إخضاع إيران للغرب من خلال توقيع الاتفاق النووي معهم لأجل رفع العقوبات، إلا أن الأوضاع الداخلية والخارجية لإيران زادت سوءاً في الجوانب كافة، ووجه العديد لروحاني عبارات مهينة واتهامات كبيرة كشفت حجم الصراع على السلطة بين التيارات السياسية، وخاصة بعد انتشار تقارير عن تردي صحة المرشد، ما يستدعي الاستعداد لخوض معركة التوصل إلى أعلى سلطة في البلاد، ما يعني أن أبرز المرشحين للانتخابات الرئاسية الإيرانية هم مرفوضون من قبل الشعوب الإيرانية، وجميعهم يعمل لمصالح حزبه الأصولية وتحت إرادة خامنئي عن طريق منحهم الأهلية من قبل "مجلس صيانة الدستور"، الذي يسيطر عليه بشكل كامل خامنئي والتيار المتشدد، ويعتبر أداة بيد المرشد لإقصاء أي مرشح معارض لنظام الولي الفقيه، ومن يتم منحه أهلية الترشح فهو موال للمرشد، ويحظى بموافقته، بغض النظر عن إرادة الشعوب الإيرانية، ما يعني أن الانتخابات الإيرانية لا تتعدى أن تكون مسرحية لخداع الرأي العام الإيراني والعالمي بهدف تجميل وجه النظام منتهي الصلاحية والمرفوض شعبياً.