أخيراً تحرك المجتمع الدولي. يبدو أن مناظر موت الأطفال هز العالم بالدرجة الأولى. في أميركا قال سيناتور أميركي لقد ولى عهد اللاحساب وعندنا اليوم رئيس. صدق فأوباما كان متردداً وإن كان يتقن الخطابة اللفظية. بالطبع بعد الضربة تعددت التعليقات، ومن يسمع حوار القوم وخصامهم وتهاترهم في مجلس الأمن، الذي يعطل ولادة العدل في كل مرة، لا يستطيع أن يمسك نفسه عن الضحك. يقول المثل شر البلية ما يضحك. ولكن يتقدم سؤالان: هل مسموح القتل بالبراميل، وممنوع بغاز الخردل والسارين؟ والثاني هل هي صفعة تحذير؟ أم هي بداية علاج حاسم؟ من التاريخ الأميركي نذكر قصة «مكنامارا»، وزير الدفاع الأميركي أيام كيندي، في أزمة كوبا. قال الرجل وقد اشتعل الرأس شيباً: إننا كنا على شفا حفرة من النار النووية، فالغواصات الروسية الأربع التي كانت تحوم حول جزيرة كوبا مثل سمك القرش، كانت تحمل الصواريخ النووية في بطنها، ومعها الأمر بالضرب إن هوجمت. قال لم تكن ثمة خطوط اتصال حمراء بين العملاقين، ونجونا مثل قصة الروليت الروسية! ومضى بي الخيال في سيناريو مختلف لفضح ممارسات النظام. فهناك أيضاً احتمال ترتيب بين أميركا وحلفائها، أن يتم شراء ضابط من نظام الأسد، بحقيبة محشوة بمبلغ محترم من الدولارات الخضراء، يشتري بها فيلا في «ماربيلا» وتؤمن أميركا له هروبه! يقوم هذا الضابط العقائدي في حفلة إلقاء البراميل، أن يكون معها برميل مليء بغاز الخردل. وخاصة أن الروس زعموا أنهم سحبوا كل المخزون الكيماوي من ترسانة الأسد. هو في الوقت نفسه اختبار لإدارة ترامب، هل تكون إدارة أوباما أخرى جديدة؟ سيكون هذا العمل مبرراً أمام العالم أن يتم صفع هذا المتنمر على إرادة أسياد العالم، كما حصل من قبل مع صدام فتم تأديبه ومسكه ومحاكمته ثم شنقه بيد أبناء جلدته، وهو ما سيحصل لبشار، مع فارق أن الأسد حارس جيد للحدود الإسرائيلية، فقد يشفع له هذا في الهروب، إلى قم ليلبس العمامة السوداء. قال لي صديق مغربي، هناك أمران للتعليق: الأول الحسرة على وضع العالم العربي، وأننا نفرح بالخلاص على يد أميركي. والأمر الثاني كيف سيتصرف نظام الأسد في المقابل؟ وكيف سيتصرف ترامب الذي تحدث إلى العالم بلغة إنسانية جداً وطلب العون من الله في حملته. وثمة أسئلة أخرى كثيرة سيجيب عنها الزمن، طال الأمر أم قصر! هل سيسلح الروس الأسد بأنياب دفاع وعض أشد قوة؟ وهل سيقوم ترامب بتزويد المعارضة بأسلحة لإسقاط الطائرات؟ وأخيراً هل ستقع المواجهة بين الروس وترامب، فنكون على حافة حرب عالمية ثالثة مخيفة؟ تماماً كما هي في الأساطير. حالياً على الأرض السورية يقاتل الكرد والعرب والعجم والروس والأميركيون والأتراك ومليشيات «الحقد الشعبي» ومقاتلو «النصرة» و«القاعدة» و«داعش» بعشرات الآلاف من المقاتلين. وتتعقد المسألة السورية كل يوم، وكان حلها في البداية أسهل بكثير. مثل الأمراض المختلطة، ومضاعفات العمليات الجراحية، فننتقل من ورطة إلى ورطة أبشع. فهل تخضع سوريا لقاعدة: اشتدي أزمة تنفرجي؟ أم أنها نار تأكل الجميع وتلتهب حرب عالمية في المنطقة؟ مرة أخرى قال صديقي المغربي، وهو يحاورني، في النهاية ماذا تتوقع؟ قلت: الأقرب هو بداية الحل، لأن المواجهة تعني الحرب النووية، وهذا يقول إنها نهاية العالم، والكل لا يريدها نهائياً وبشكل لا ريب فيه، فلا أحد يتمنى الفناء أبداً. والأقرب أن يركع نظام الأسد، ويتخلى عن المواجهة، وتبدأ مفاوضات التخلص من سرطان «البعث» السوري، كما تخلص العراق من «البعث» العراقي، فهما فردتا حذاء ووجهان لعملة واحدة. ومع هذا فحماقات البشر لا نهاية لها. جاء في الأثر أن الفرات حيث المعارك اليوم، ويقال إن «داعش» قد جهزته للتفجير، يحسر عن كنز من ذهب يقتتل عليه الناس، فيقتل من كل مئة تسعة وتسعون، كلهم يقول هذا لي، فمن حضره فلا يأخذ منه شيئاً!