إقرار مشروعات قوانين ضرائب السلع والخدمات في البرلمان الهندي في الأيام القليلة الماضية، يعتبر أكبر إصلاح قامت به الحكومة الهندية حتى الآن. وتستهدف مشروعات القوانين هذه خلق سوق موحدة في الهند، ورغم أنه من المتوقع أن يجري العمل بمشروعات القوانين بدءاً من يوليو هذا العام بعد إقرار أربعة تشريعات حيوية فإن تطبيقها سيكون أكبر تحدٍّ للحكومة. والجدير بالذكر أن مشروعات القوانين الأربعة، وهي تضع نظاماً موحداً للضرائب المركزية على البضائع والخدمات، أعدتها في بداية الأمر واقترحتها الحكومة التي كان يتزعمها حزب «المؤتمر»، لكنها لم تستطع إقرارها أثناء فترة ولايتها بسبب المعارضة القوية من حزب «بهاراتيا جاناتا» المعارض في ذاك الوقت والحاكم الآن. وبعد أن اضطلع بهاراتيا جاناتا بالسلطة أدرك الحزب الأهمية القصوى لهذا الإصلاح في تمكين الحكومة الاتحادية من جمع الضرائب على امتداد البلاد. ومشروعات قوانين ضرائب السلع والخدمات كان يتعين إقرارها من كلا المجلسين في البرلمان الاتحادي لتقديم تعويض للولايات عن فقدانها عائدات نتيجة تطبيق مشروع قانون الضرائب على السلع والخدمات على أراضي الاتحاد عام 2017. ومع إقرار هذه التشريعات الأربعة، تتقدم الهند أخيراً الآن نحو استكمال الإصلاحات الاقتصادية، لكن يتعين القيام بالكثير من الأعمال الأخرى لنضمن تطبيق مشروعات القوانين دون عراقيل. فمن المعروف أن الهند هي أسرع اقتصاديات العالم نمواً بعد أن حققت نسبة نمو بلغت نحو 7% في العام المالي 2015 -2016. ورغم أن المزاج الاقتصادي تحسن بناء على الإصلاحات الأولية التي تضمنت فتح المجال بشكل أكبر أمام الاستثمار الأجنبي، ما زالت القيود البيروقراطية ومشكلات عمليات الاستيلاء على الأراضي وقوانين العمل التي عفَّى عليها الزمن تمثل عقبات أمام تحقيق نمو أكبر وجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية. والضريبة الموحدة التي ستحل محل عدد كبير من الضرائب الأخرى، الاتحادية وعلى مستوى الولايات، يتوقع أن تعزز التصنيع وتيسر حركة البضائع عبر حدود الولايات الهندية المختلفة وتحسن عملية جمع الضرائب وتقلص نطاق الفساد وتعزز عائدات الحكومة. وشاحنات النقل التي كانت تتكدس عادة في طوابير طويلة عند الحدود بين الولايات المختلفة لدفع الضرائب، سيكون بمقدورها الآن الانتقال دون عراقيل إلى حد كبير عبر ولايات الهند. وفي ظل النظام الحالي للضرائب تفرض الولايات المختلفة ضرائب متعددة على انتقال البضائع عبر البلاد. وينفق سائقو الشاحنات ساعات طويلة عند الحدود الداخلية يملؤون خلالها استمارات وينتظرون عمليات التفتيش. والشركات الصغيرة ومتوسطة الحجم تفضل ألا تتوسع كثيراً كي تتجنب العبء الإداري بعد أن تصبح مشروعات على مستوى البلاد. ورغم أن قوانين الضرائب على السلع والخدمات ليس مثالياً، فهو يمثل تحسناً كبيراً مقارنة بالفوضى الحالية في جمع الضرائب. تشير الحكومة إلى أن مشروعات القوانين هذه ستضيف ما يصل إلى 2% إلى الإنتاج المحلي الإجمالي بتبسيط الهيكل الضريبي الهندي. ورغم أن التشريعات الجديدة تأخذ في الاعتبار مخاوف الولايات، لكنها قد لا تطبق فكرة الضريبة المبسطة التي كانت مرجوة في بداية الأمر، وهذا لأن هناك أربعة شرائح مختلفة من الضريبة، وأيضاً عمليات جباية إضافية قليلة أخرى تتضمن فرض ضرائب على بضائع الكماليات والرفاهية. والمشكلة الأساسية الآن هي التطبيق الذي لا يُتوقع أن يكون سلساً. فما زال يتعين على الشركات أن تتقدم بما يصل إلى ثلاثين استمارة في كل ولاية. والحكومة الاتحادية دربت عشرات الآلاف من الموظفين لتطبيق الإجراءات الجديدة، وتعمل على توفير برنامج كمبيوتر يكون جاهزاً وقادراً على العمل عند بدء التنفيذ. وأكبر عقبة في سبيل التطبيق الناجح تتمثل في أنه بينما تتوافر للشركات الكبيرة على الأرجح كل الأنظمة الجاهزة للعمل، ستواجه الشركات المتوسطة والصغيرة الحجم التي تنتشر على امتداد البلاد أكبر الصعوبات في التكيف مع النظام الجديد. ومن الثابت أن خريطة النشاط الاقتصادي في الهند يهيمن عليها الصناعات صغيرة الحجم والتطبيق الناجح سيتوقف على مدى سرعة وكفاءة تكيف هذه الأنشطة الاقتصادية على النظام الجديد. ومعدلات الضرائب النهائية على السلع والخدمات لم تحسمها الحكومة بشكل نهائي بعد. والنسب المقترحة تتراوح بين 5% و12% و18% و28%، ويتوقع أن تحدد الحكومة هذه النسب بشكل نهائي في الأسابيع القليلة المقبلة، لكن من الواضح أن مشروعات القوانين هذه حاسمة لتحفيز الاقتصاد وتبسيط الهيكل الضريبي الذي طالما اشتكى منه المستثمرون الأجانب. وما زالت الهند اقتصاداً يحفزه الاستهلاك. ورغم ضعف استثمارات القطاع الخاص وضعف نمو السلع الرأسمالية وتقلص الصادرات، فقد حقق قطاع التصنيع نمواً يصل إلى 9.3% في العام المالي السابق 2015-2016. وكان القطاع الزراعي أكثر القطاعات بطئاً في النمو محققاً نسبة نمو بلغت 1.2% نتيجة ضعف استهلاك المناطق الريفية الفقيرة، لكن قطاع الخدمات حقق نمواً بلغ نحو 8.8%. وصحيح أنه لو تم التوصل إلى مشروعات قوانين أبسط لاستفادت البلاد قطعاً، لكن مشروعات القوانين التي تتم الموافقة عليها بالفعل خلال الآونة الأخيرة في صيغتها الحالية تمثل بالتأكيد تحسناً مقارنة بالنظام القديم. وسوف تقلص هذه القوانين الإجراءات البيروقراطية، وكل شيء سيتم عبر الإنترنت وستجعل النظام يتدفق بسلاسة. ومن الواضح أن تطبيقها السلس سيكون مرحلة محورية مهمة للهند. *رئيس مركز الدراسات الإسلامية في نيودلهي