في ضوء ما نعرفه عن المخططات اليمينية الإسرائيلية للاستيلاء على الضفة الغربية، هناك سؤال رئيسي مهم نستخلصه من الأخبار المتداولة عن قيام حركة «حماس» بإعداد ميثاق جديد تتعهد فيه بالانفصال عن حركة «الإخوان المسلمين» من ناحية، وتعلن فيه من ناحية أخرى تخفيض هدفها من تحرير أرض فلسطين التاريخية بكاملها إلى القبول بهدف إقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو 1967. السؤال يتصل بنوايا الحركة حول مفهوم الدولة الفلسطينية المأمولة، وهل يعني عندها التنازل عن الحكم المنفرد لقطاع غزة والدخول في مصالحة حقيقية مع «فتح» والسلطة الفلسطينية بقصد الانضمام إلى المجهود العربي الموحد المستند إلى مبادرة السلام العربية لإقامة دولة فلسطينية واحدة في الضفة الغربية وغزة، أم أن مفهوم الدولة الفلسطينية عند الحركة يعني الحصول على موافقة إسرائيل على تكريس الوضع الراهن المستقل لقطاع غزة مع تحويل شكل الحكم من إمارة إسلامية تعادي إسرائيل إلى دولة فلسطينية حدودها القطاع فقط تتجاور في سلام مع إسرائيل وتستفيد من أفكار تنمية غزة، التي يتحدث عنها الإسرائيليون، والتي تشمل فك الحصار عنها.. إذا ما أبدت نوايا سياسية حسنة تجاه الدولة الإسرائيلية. إن الإجابة عن هذا السؤال غير واضحة، لأنها متعلقة بالنوايا المبطنة عند قادة الحركة، لكننا نلاحظ أن اليمين الإسرائيلي الحاكم يكرر باستمرار ذريعتين لرفض إقامة دولة فلسطينية تشمل الضفة الغربية، الذريعة الأولى أنه لا ضرورة للحديث من جانب الرئيس ترامب والعرب عن إقامة دولة فلسطينية تشمل الضفة الغربية لأن هناك دولة فلسطينية قائمة بالفعل في غزة يمكن تطويرها. أما الذريعة الثانية فتقول إن الصراع القائم بين «حماس» و«فتح» لا يمكن أن يسمح بقيام دولة فلسطينية موحدة في الضفة وغزة معاً. من المفهوم بالطبع أن هاتين الذريعتين اليمينيتين الإسرائيليتين تستهدفان إقناع الرئيس الأميركي بقبول تدريجي للأفكار الهادفة إلى الاستيلاء على الضفة طبقاً لعقائد هذا اليمين الأيديولوچية والسياسية التوسعية، ذلك أن هذا اليمين يعتبر الضفة كما هو معروف على العكس من غزة جزءاً من «أرض إسرائيل التاريخية»، وُيطلق عليها اسم يهودا والسامرة، ويواصل قضم أرضها لإقامة المستوطنات. هذا اليمين يطرح هذه الأيام أفكاراً يوصلها إلى إدارة ترامب تتحدث عما يسميه السلام الاقتصادي في الضفة، وهي أفكار تقصد إلى إجهاض هدف مبادرة السلام العربية وتسويف الحل السياسي في الضفة إلى عشر سنوات جديدة على الأقل مع التركيز على تحسين الأوضاع الاقتصادية للشعب الفلسطيني فيها. إن هذه الأفكار ليست جديدة، فهي مستقاة من أحد المناظير الصهيونية التي نشأت مبكراً في بداية القرن العشرين عند المفكرين الصهاينة للتعامل مع حقيقة الوجود العربي في فلسطين. إنها مناظير نشأت بعد أن اكتشف المهاجرون اليهود الأول زيف مقولة المفكر الإسرائيلي «زنجويل» التي تقول (أرض بلا شعب لشعب بلا أرض)، مدعية أن فلسطين أرض خالية من السكان. لقد تركز أحد هذه المناظير على فكرة إقناع عرب فلسطين بقبول المشروع الصهيوني لإقامة وطن يهودي عن طريق الحلول العملية بتقديم المساعدات الاقتصادية لهم لإشعارهم أن المشروع الصهيوني، يحقق لهم فوائد لا يمكنهم الحصول عليها بمفردهم، وهي نفس الفكرة التي تطرح اليوم بالنسبة للضفة تحت اسم السلام الاقتصادي. إن على حركة «حماس» في مواجهة هذه النوايا اليمينية الإسرائيلية المعلنة والواضحة للهروب من الدولة الفلسطينية الموحدة أن تبين قولاً وفعلاً بشكل صريح وقاطع أن لديها الإرادة السياسية القوية لإنجاز المصالحة مع «فتح» والسلطة للانحياز إلى خيار الدولة الفلسطينية الموحدة في الضفة وغزة، وأنها ترفض أي طرح إسرائيلي لاختزال حل الدولة الفلسطينية في دولة حدودها قطاع غزة وحده.