أعلن باراك أوباما حين كان رئيساً للولايات المتحدة العام الماضي، في دفاعه عن قراره بعدم ضرب سوريا من جانب واحد عام 2013، أن «هناك كتاباً دليلاً في واشنطن يفترض أن يتبعه الرؤساء. إنه دليل مؤسسة السياسة الخارجية. والدليل يصف الاستجابات على حوادث مختلفة وهذه الاستجابات عادة ما تكون عسكرية. وحين تكون أميركا مهددة مباشرةً، يجدي الدليل نفعاً. لكن الدليل قد يكون فخاً يؤدي إلى قرارات سيئة». وحين أصدر الرئيس دونالد ترامب الأسبوع الماضي أمراً متهوراً بتوجيه ضربة لقاعدة جوية سورية، اتبع الرئيس الدليل ووقع في الفخ. صحيح أن استخدام الرئيس السوري بشار الأسد فيما يبدو للأسلحة الكيماوية ضد المدنيين في بلدة خان شيخون جريمة بشعة. وأن الحرب الأهلية في سوريا أدت إلى مقتل ما يقرب من نصف مليون شخص ونزوح أكثر من مليون شخص ثم تفاقمت الأزمة الإنسانية بسبب المحاولات القاسية والعبثية لترامب لمنع اللاجئين السوريين من دخول الولايات المتحدة. ومشاهدة المعاناة الإنسانية أمر مروع. رغم أن كل هذا صحيح، ورغم الحماسة من الحزبين في مؤسسة السياسة الخارجية والولع «بالمصداقية» المفترضة التي تصاحب استخدام القوة، فمازال من الحماقة أن نعتقد أن عمل ترامب العسكري يساعد في إنهاء المأساة. إنها لشهادة على العبث أن يصبح العمل الأقل مسؤولية ربما لرئاسة ترامب، هو أكثر الأعمال التي حظيت بتأييد. فقد تحول فجأة جانب كبير من وسائل الإعلام، ومن المؤسسة السياسية، ذاك الجانب نفسه الذي دأب على تصوير ترامب بأنه غير كفؤ، إلى الإعجاب به بشدة لأنه قرر إلقاء القنابل في الشرق الأوسط. ووصف الصحفي «براين وليامز» من شبكة «إم. إس. إن. بي. سي» التلفزيونية الليبرالية وهو يعرض صوراً للهجوم بأنها «صورا جميلة لعمل حربي مرهوب». وذكر «مركز النزاهة والدقة في الصحافة» المعني برصد عمل وسائل الإعلام أن خمس صحف كبيرة نشرت ما إجماليه 18 تقريراً تؤيد الضربات أو تجادل بأنها غير كافية. وبفضل الضربة، حصل ترامب أيضاً على إشادة نادرة من الحزبين في الكونجرس. فقد أعلن السيناتوران «الجمهوريان» جون ماكين ولينزي جراهام في بيان أن «الرئيس ترامب واجه لحظة محورية في سوريا، وأقدم على عمل. ولذا يستحق دعم الشعب الأميركي». وبالمثل وصف «تشارلز شومر» زعيم الأقلية «الديمقراطية» في مجلس الشيوخ الهجوم بأنه «عمل صائب». لكن ليس هناك ما يدل على أن الهجوم حقق أي شيء فيما يتجاوز تعزيز الدعم الشعبي مؤقتاً لرئيس ضعيف الشعبية. فإذا كان هدف ترامب هو معاقبة الأسد عن استخدامه الأسلحة الكيماوية، فالعقاب لم يفعل إلا أن عطل النظام قليلاً من الوقت لأن الطائرات السورية استأنفت استخدام القاعدة الجوية المستهدفة بعد أقل من 24 ساعة من ضربها. وإذا كان لدى ترامب استراتيجية متماسكة لما هو قادم فقد فشل في نقلها للشعب الأميركي أو المجتمع الدولي. والعواقب الأولية لاستعراض ترامب للقوة تمثلت في تصاعد التواترات مع روسيا التي تعتبر أهم حليف للأسد. ودرء اتهام أن ترامب هو «دمية يوتين» هدأ كثيراً منتقدي ترامب في الداخل وشتت الانتباه بعيداً عن التحقيق في أمر حملته الرئاسية، لكنه جعل الولايات المتحدة أقرب إلى مواجهة خطيرة مع روسيا المسلحة نووياً. وفي أعقاب الضربة، علقت روسيا سريعاً اتفاق «فض الصراع» الذي تستخدمه الدول لمنع التصادم في المجال الجوي السوري، وهو الاتفاق الذي أخطرت بموجبه الولايات المتحدة روسيا بالهجوم سلفاً. وأرسلت روسيا فرقاطة تجاه المدمرات البحرية الأميركية في البحر الأبيض المتوسط. وأدى القصف أيضاً إلى تصاعد واحد من أكثر صراعات ترامب إزعاجاً في الداخل، وهو الصراع الدستوري. فقد أشار خبراء في القانون أن ترامب انتهك القانون حين أصدر أمراً بتوجيه الضربة دون السعي للحصول على تفويض من الكونجرس، كما يستلزم القانون وكما طالب هو نفسه ذات مرة أوباما بهذا. وبتنفيذ الضربة العسكرية، أوضح ترامب تماماً أن خطابه الخاص بعدم التدخل في شؤون العالم حين كان مرشحاً رئاسياً ليس إلا محض مزحة تماماً مثل شعبويته الاقتصادية المفترضة. وكان ترامب قد صرح في عام 2013 أن التصعيد العسكري في سوريا قد يؤدي في نهاية المطاف إلى «حرب عالمية ثالثة». فلا غرابة إذن أن يؤدي تخلي ترامب التام عن وعوده الانتخابية إلى إثارة الغضب الشديد لدى أكثر مؤيديه إخلاصاً. ورغم حماس مؤسسة السياسة الخارجية، فهي لا تعرف طريقاً لتحقيق انتصار في سوريا. وبدلاً من الحماس لمزيد من التدخل العسكري الأميركي في حرب لا يمكننا الفوز بها، يجب أن ندعو حكومتنا إلى تزعم جهد دبلوماسي لإنهاء الحرب تماماً. وحان الوقت لمن يدركون أن ترامب لا يستطيع بلوغ السلام بالقصف أن ينهضوا ويحشدوا قواهم في حركة مناهضة للحرب لمنع تورط الولايات المتحدة في حرب أخرى في الشرق الأوسط دون استراتيجية واضحة ودون نهاية تلوح في الأفق. كاترينا فاندن هوفيل رئيس تحرير مجلة «ذي نيشان» ينشر بترتيب مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»