تقوم الحرب ـ في الغالب ـ من أجل إجبار العدو على الاستسلام، أو القبول بالتفاوض، الذي ينتهي بتحقيق السلام بين طرفين متحاربين أو عدة أطراف، ما يعني أن الحرب رغم دمويتها، وما فيها من أوزار، تعدُّ عملاً هادفاً على ما فيه من سلبيَّات، بل إننا إذا نظرنا إليها من زاوية علم الاجتماع، يمكن اعتبارها إحدى العمليات الاجتماعية، وفي الغالب تجبر عليها كل الأطراف حين تعجز الحلول السلمية.. فهل الحرب السورية، وهي تدخل الآن عامها السابع، يمكن اعتبارها عمل عنف يهدف إلى قبول جميع الأطراف المتقاتلة بالتعايش في كنف وطن موحد، عبر ممارسة ديمقراطية، وبرعاية دولية؟ بداية، علينا أن نقرَّ ـ نظريّاً على الأقل ـ أن ما يجري على الأراضي السورية هو فعل محلي ودولي أكبر من الحرب، انطلاقاً من أن هذه الأخيرة تسعى إلى تحقيق السلام عند نهايتها، وهذا لا يبدو ظاهراً في الأحداث السورية الراهنة، إذن فهي عمل إرهابي عبثي، يتطلب موقفاً محلياً وعربياً ودولياً يتناسب مع حجم الكارثة الآخذة في التوسع، يستبدل الطرح القائل بوجود «حرب سورية»، إلى الاعتراف أن كل الذي يحدث هنالك إرهاب من أطراف ورد فعل من أطراف أخرى، وإذا صُنِّفَت على هذا الأساس، فإن الجهود الدولية ـ إن صدقت واستمرت ـ ستركز على محاربة الجميع، من خلال عمل عسكري جماعي، يبعد التصورات الخاطئة عن الوضع هناك، ويوقف الدعم المالي والعسكري لكل الأطراف المتقاتلة، وبالتي يتم تحييد المدنيين العُزَّل وحمايتهم من الإرهاب. الوضع السُّوري في حالته الراهنة، يؤكد أن السعي الدولي لإحلال السلام، والمتضمن حقوق أقليات وأعراق ومذاهب دينية، ومليشيات سورية وأجنبية يطيل من عمر الإرهاب، بل ويجعل جماعاته ـ سلطة ومعارضة ـ هي الأقوى على حساب الشعب، ولذلك لا بد من محاربة الجميع باعتبار أن كُلاًّ منهم شريك في العمليات الإرهابية المتواصلة، وفي حال تعذر ذلك ليحسم المجتمع الدولي أمره ويقف في صف طرف عسكري معين ويدعمه إلى غاية انتصاره، صحيح أن هذا بعيد المنال نظراً لتضارب المصالح الدولية، وتسابق روسيا والولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤهما من أجل السيطرة وإظهار القدرة على قيادة العالم، لكن سيصبح في المستقبل حتماً مقضياًّ. هنالك ملاحظة أخرى حول الأزمة في سوريا، وهي اتساع دائرتها من سنة إلى أخرى، ففي البداية ظهرت على نطاق محدود من الأراضي السورية، وفي السنتين الثانية والثالثة شملت مناطق أخرى، ثم أصبحت سوريا بيئة جاذبة للتنظيمات الإرهابية من كل دول العالم، وفي الوقت نفسه مُنَفِّرَة لسكانها، ومع الوقت تحولوا إلى عبء على دول الجوار، ثم مهاجرين عبر قوارب الموت إلى كثير من دول العالم، خاصة دول الاتحاد الأوروبي، وسوريا اليوم فضاءٌ للصراع بين القوى الكبرى، منها من يدعم النظام، ومنها من يدعم المعارضة المسلحة، وبذلك أصبحت مشكلة عالمية. ونتيجة للتطور الحاصل، وبعد تدخل الولايات المتحدة بشكل مباشر على المستوى العسكري، وكونها أصبحت في مواجهة مباشرة مع روسيا، بما يعني بداية العد التنازلي لتحول الإرهاب إلى حرب مفتوحة بين القوى الدولية، فإن حل هذه الأزمة لم يعد سياسياً، ليس فقط لأن كل المعطيات على الأرض تشير إلى استمرار الإرهاب، وإنما لأن الأطراف الدّاعمة للنظام وللمعارضة تُصِرُّ على إيجاد حل يحقق مصالحها على حساب الشعب السوري، وهذا يعني أن الحل سيكون عسكرياً، وهذا في إطار رؤية دوليّة تركز على محاربة الإرهاب بالقوة، وعندها لن يكون مصير السوريين بأيديهم.