على مدى يومين التأمَ ملتقى دارين الثقافي الثاني في مدينة الدمام بالمملكة العربية السعودية، بتنظيم من نادي المنطقة الشرقية الأدبي تحت عنوان «المؤسسات الثقافية الأهلية والخاصة.. المُنجز وآفاق المستقبل». وحضرت الملتقى شخصيات ثقافية سعودية وخليجية وعربية وعالمية. وهدفَ الملتقى إلى تسليط الضوء على الدور الذي تلعبه المؤسسات الثقافية الأهلية والخاصة في تنمية المعرفة ونشر الثقافة. وتمت استضافة جمهورية طاجيكستان كضيف شرف، كما تم تكريم المؤسسات المشاركة في دعم المنتدى. والسؤال الذي كان حاضراً: ما مدى مساهمة تلك المؤسسات الثقافية -الأهلية والخاصة- في خدمة الثقافة؟ وهل يتم اتخاذ تلك المؤسسات مجرد «واجهة» اجتماعية؟ بصراحة، ما زال دور المؤسسات الثقافية (الأهلية) موسمياً وبطيء الإيقاع. فتلك المؤسسات التي تتولى الدولة رعايتها مادياً ما زالت مرتبطة بروتين المؤسسة الرسيمة التي تنظم أمورها وتضع لها التشريعات، كما أن بعض هذه المؤسسات يبدو حذراً في الاقتراب من بعض القضايا المهمة التي تشغل بال المجتمع، وعليه فإنه قد يتوجس من دعوة بعض الشخصيات المؤثرة. ولذا، نلاحظ تكرار الوجوه في بعض تلك المؤسسات، ونتيجة لذلك يقل عدد الجمهور، ولا يحدث التفاعل المطلوب. وكأن الهدف من تلك الفعاليات هو تسجيل رقم للنادي أو الجمعية، بأنه أقام في العام كذا فعالية، ويرفع ذلك بتقرير إلى الجهة المختصة. وهنا تلح قضية «الكم والكيف» في عمل هذه المؤسسات! أما المؤسسات الخاصة، التي سُميت بأسماء القائمين عليها، والذين يصرفون عليها، فهي تمارس دورها في نشر الثقافة، إلا أننا نلاحظ أن دورها هو الآخر «موسمي»، وبعضها قد يتوقف أو يقل حماس القائمين عليها بعد وفاة صاحبها، الذي يكون أكثر حماساً من غيره لدعم المشاريع والفعاليات الثقافية والصرف عليها. وعادة ما تأخذ هذه المؤسسات عناوين محددة، يكون أغلبها في الشعر أو التاريخ أو بعض الشخصيات التي لعبت دوراً في المشهد الثقافي. والدور الجديد الذي ينبغي أن تضطلع به تلك المؤسسات هو المعاصرة، ومناقشة الظروف والأحداث التي تمر بها الأمة العربية والإسلامية، بعيداً عن «تكرار» أحداث الماضي أو التقوقع في «تابوت التاريخ». وتتبع هذا الدور أهميةُ إشراك الشباب في تلك المشاريع والفعاليات، ولو بالطرق التي يحبذونها ويتفاعلون عبرها مثل أدوات التواصل الاجتماعي، لأن المادة الثقافية ثقيلة، والشباب مهموم بأموره الخاصة وأجوائه الافتراضية، كما، أن للإعلام دوراً مهماً في تغطية تلك الفعاليات والترويج لها. وقد أحسنت قناة «الثقافية» السعودية بأن منحت الملتقى مساحة من بثها، حيث نقلت ما دار من نقاشات ومحاور والتقت ببعض الشخصيات التي حضرت الملتقى. وقد توصل ملتقى دارين الثقافي الثاني الذي جمع مندوبين عن المؤسسات الثقافية (الأهلية والخاصة) إلى مجموعة من التوصيات التي تعضد المسار الثقافي في المنطقة، وأهم تلك التوصيات: -أهمية مواصلة تلك الملتقيات العلمية، لما يتحقق من خلالها من إضاءات وحوارات تثري القائمين على المؤسسات الأهلية والخاصة بالرؤى والتجارب المفيدة. -دعم المؤسسات الثقافية الأهلية والخاصة دعماً معنوياً ومادياً وتنظيمياً بما يضمن لها الاستقلال ويقدم لها الإطار التنظيمي المناسب. -دعوة المؤسسات الثقافية الأهلية والخاصة المتنوعة إلى الاتجاه نحو المنجز التقني، والإفادة منه في الإعلان والتوثيق والمشاركة. -الانفتاح على خدمة المجتمع بكافة المجالات. وعلى رغم أهمية بقية التوصيات، التي نأمل أن تأخذ طريقها نحو التنفيذ، فإن الواقع يحتّم أن تتحول هذه المؤسسات إلى العمل الاجتماعي المدني، وتتخلص من «وصاية» المؤسسة التي تتبع لها (في حال المؤسسات الثقافية الأهلية)، ذلك أن الدور الحقيقي والفعال لمثل هذه المؤسسات هو أن تمارس العمل المدني، وتتخلص من كل أشكال الرقابة، وتتلمس احتياجات المجتمع من المعرفة والثقافة. لقد كان ملتقى دارين الثقافي الثاني محاولة إشعال شمعة، ونحج القائمون عليه في ذلك، ولكن الأهم أن تتواصل مثل هذه الملتقيات، بهدف خلق حراك ثقافي، على مستوى المنطقة، في وقت تراجع فيه الفعل الثقافي وخفت ضوءُهُ في ظل إيقاع الحياة السريع، ودهشة التكنولوجيا، التي ساهمت هي الأخرى في عملية «التجهيل»، وحرق المراحل وتسطيح الثقافة.