كيف لا يغضب الرئيس ترامب عندما يشاهد صوراً وأشرطة فيديو للأطفال الذين قتلوا في ضربة الأسلحة الكيميائية من قبل طائرات النظام الجائر، ويعطي الإشارة لجيشه العرمرم لكي يطلق ما يقارب من 59 صاروخ (كروز) على الجيش السوري في مطار الشعيرات وبغريزة الصقور الأميركية يهب فخامة الرئيس للانتقام للأرواح البريئة التي أزهقت على يد مجرم الحرب بشار الأسد ونظامه الذي لا يفرق بين مدني وعسكري. وللعلم فإن الرئيس ترامب هو نفسه الذي أغلق أميركا أمام اللاجئين الفارين من المذابح في سوريا! وقد ذكر جانب أميركي رفيع المستوى بعد الهجمة أنه تم الاتصال بالجيش الروسي لتقليل أية فرص للإصابات الروسية - وخاصة الروس الذين يعملون خارج المطار المستهدف، وبطبيعة الحال لم يخبر الروس حليفهم الأول في الشرق الأوسط بشار الأسد، وتركوه يواجه الغضب الأميركي منفرداً لتدمر عدد من الطائرات ومدرج، ولربما قد تكون طائرات خارجة من الخدمة تركت من قبل الجانب السوري بعد التحذير الروسي لهم حتى يكون المشهد أكثر واقعية! والسؤال هنا: ألم يكن أطفال سوريا يُذبحون ويشردون أمام مسمع ومرأى من العالم أجمع لسنوات طويلة؟ فنحن نعلم أن السياسية الخارجية الأميركية تعمل وفق مفهوم عدو يجاهرك العداء خير من صديق زائف. والرئيس الأميركي يواجه هجوماً إعلامياً كاسحاً في الداخل الأميركي وعريضة تهم وادعاءات طويلة وفضائح تدور حول الدور الروسي في الانتخابات الأميركية والعلاقة بين ترامب والرئيس الروسي بوتين وبعض أفراد الرئيس دونالد ترامب، كما أن شعبية الرئيس في هبوط متسارع، وهي المرة الأولى منذ 70 عاماً على الأقل، التي تتدنى فيها شعبية رئيس أميركي إلى هذا المستوى بحلول شهر أبريل من فترة ولايته الأولى، ولا يبدو أن مقولة إن الضربة السورية تقع ضمن نطاق مصلحة الأمن القومي الحيوي الأميركي صائبة، ومنع وردع انتشار الأسلحة الكيميائية لا يتوقف على ضرب قاعدة، بل ضرب من أدخل تلك الأسلحة إلى سوريا. فالصور الشهيرة للوحشية في الصراع السوري أصبحت جزءاً من حياتنا اليومية، كما أن مخزون سوريا من الأسلحة الكيميائية يعرفه القاصي والداني، ولكن لماذا يختار بشار هذا التوقيت بالتحديد ليثير عليه مجدداً غضب العالم أجمع، ويهاجم المقاومة المعتدلة، ويذبح الأطفال بالغازات السامة بدلاً من مواجهة «داعش» والسيناريو برمته ليس فيه مكسب واحد لبشار الأسد، وهو ما يجعلنا نتساءل: ماذا حدث في واقع الأمر؟ وهل كان الجيش السوري النظامي يعلم بوجود الأسلحة الكيماوية عندما هاجم المخزن؟ فمن عام 2013، يعتقد بأن الأسد لم يستخدم عناصر محظورة بموجب اتفاقية الأسلحة الكيميائية (تشير بعض التقارير بأنه استخدم غاز الكلور). وعلى الرغم من جرائم الحرب التي يرتكبها النظام، والتي لا يستطيع أن ينكرها أحد، وأهمية التخلص من بشار ونظامه، فإن السؤال الحائر هنا، هو: لمن ستُترك الساحة؟ وأمامنا التجربة العراقية خير برهان، ولذلك على الرغم من كل ما يجري ليس هدف الأميركان ولا الروس والصينيين ولا غيرهم ممن يدورون في فلكهم أن تقع سوريا في يد عدو مشترك لهم، وإذا تصاعد الهجوم الأولي المحدود إلى شيء أكبر بكثير، من تقييد الأسد ولكن إلى دفعه من الخروج من السلطة سيكون حينها التصرف الأميركي ممثلاً للإرادة الدولية، وقبل كل ذلك: هل حصل ترامب على موافقة الكونجرس لضرب القاعدة الجوية؟ فالتوقيت هو كل شيء للضربة ولكن ليس للكونجرس، هو ليس في حالة حرب والمنطق يقول إن قرار الضربة لم يتخذ أو قد اتخذ قبل فترة كافية تسبق حتى ما حدث للضحايا الأبرياء في سوريا، وهنا نتوقف عند السيناريو برمته ونضع علامة تعجب كبرى! وتحاول إدارة ترامب تجنب الالتزام المفتوح في الصراع السوري من خلال التأكيد على أن هذه الضربة الأميركية استهدفت القاعدة الجوية التي تم فيها إطلاق الهجوم الكيميائي، والضربة ليست أكثر عقاب محدد للهجوم الكيميائي وليس جهداً أوسع يهدف إلى ضرب الأسد حتى يتوقف عن قصف المدنيين أو ترك السلطة. والضربات المحدودة، تاريخياً، تبقى دائماً محدودة، وليس لدينا أي فكرة عما إذا كان هذا سيوقف الأسد فعلاً عن استخدام الأسلحة المحظورة، أو مزيد من التصعيد الأميركي الانتقائي، وفي الوقت نفسه إجبار الجانب الروسي على تعاون أكبر مع الإدارة الأميركية وبما يخدم مصالح الجانبين معاً.