وأخيراً شكلت الحكومة المغربية بعد أكثر من خمسة أشهر من الانتظار، وليس ذلك بمسألة استثنائية في تاريخ تعيين وتشكيل الحكومات في العالم أو في مجال العلوم السياسية، فبلجيكا الدولة الأوروبية الصغيرة المعروفة بعاصمتها بروكسل التي تأوي مقرات المؤسسات الأوروبية، حققت يوم 17 فيراير 2011 الرقم القياسي في الأزمة السياسية الأكثر ديمومة في العالم، عندما أضحت دولة من دون حكومة لمدة 541 يوماً، بسبب الأزمة الخانقة التي دارت بين شريحتي «الوالون» و«الفلامان» السكانيتين. ولكن مع ذلك لم تنهر الدولة البلجيكية ولم تتفتت، كما أن إسبانيا عاشت منذ السنة الماضية على وقع صعوبة إنشاء الحكومة بل اضطرت إلى إعادة الانتخابات... فخلافاً لما يروج في وسائل الإعلام، لا أظن أن هذه المدة كانت عنواناً لبدء فتور المسار الديمقراطي الذي يعرفه المغرب في منطقة تعج بالفوضى والمجهول، بل العكس من ذلك، فهي أكدت أنه بلد مؤسسات، وهو قوي بقوة مؤسساته. فالمؤسسات عندما تكون مهيكلة وتحكمها أسس وقواعد متينة، وسواء أكانت مالية أو تجارية أو خدماتية أو قطاعية أو عامة أو مجالية، فإن النتائج تبقى متميزة. ولكن دعونا نقوم بتشريح علمي وواقعي للحالة السياسية المغربية. هناك عدة نقاط أود التوقف عندها: -أن العاهل المغربي محمد السادس ملك يحترم الشرعية الانتخابية ورغبة الشعب، لأن المغرب دولة أحزاب سياسية، فعندما قرّر تعيين شخصية أخرى من حزب العدالة والتنمية في منصب رئيس الحكومة المغربية أي الدكتور سعد الدين العثماني، بعد عجز عبد الإله بنكيران، الأمين العام للحزب، الذي سبق أن عيّنه ملك المغرب رئيساً للحكومة، عن تشكيل هذه الأخيرة، على رغم استمرار المشاورات لخمسة أشهر، فقد اتخذ هذا القرار بصفته الساهر على احترام الدستور وعلى حسن سير المؤسسات، والمؤتمن على المصالح العليا للوطن والمواطنين، وذلك حرصاً منه على تجاوز وضعية الجمود الحالية، وفي احترام تام للدستور المغربي، أي القانون السامي للبلد، وبخاصة الفصل 47 من الدستور الذي ينص على تعيين الملك لرئيس الحكومة من الحزب الفائز بالانتخابات التشريعية، ولا يشترط الفصل أن يكون رئيس الحكومة المعيّن هو من يتولى زعامة الحزب الفائز. ?ونعلم ?أن ?العاهل ?المغربي ?سبق ?له ?أن ?بادر ?بالإسراع، ?بعد ?48 ?ساعة ?من ?الإعلان ?عن ?نتائج ?الانتخابات ?التشريعية ?في 7 ?أكتوبر ?2016، ?بتعيين ??عبد ?الإله ?بنكيران ?رئيساً ?للحكومة، ?وسبق ?له ?أن ?حث ?رئيس ?الحكومة ?المعين، ?عدة ?مرات، ?على ?تسريع ?تكوين ?الحكومة ?الجديدة. -أن حزب العدالة والتنمية لا يسيّر الحكومة لوحده، فمن يسمع عن حضور حزب شيوعي مغربي مثلًا بجواره يفهم أن الإسلاميين في المغرب ليسوا هم إسلاميو المشرق، وأن المحددات وطريقة التكوين ومسار النضج يسمح لنا بالتأصيل لهذه الفكرة، وقد أجاد مدير مركز «الأهرام» الدكتور ضياء رشوان مؤخراً في الملتقى السنوي الأخير لمركز الإمارات في أبوظبي في طرح هذه الملاحظة. فعموماً الحكومة الحالية مؤلفة من ستة أحزاب هي، العدالة والتنمية، والتجمع‏? ?الوطني? ?للأحرار، والحركة? ?الشعبية، ?والاتحاد ?الاشتراكي، ?والاتحاد? ?الدستوري والتقدم والاشتراكية، ?إضافة ?إلى ?تواجد ?بعض ?التقنوقراط. - إن الملكية في المغرب تضطلع بدور تاريخي كبير حيث تجعل من السلطة سلطة عمومية معروضة للتداول تمتنع على الاحتكار والاستئثار تحت أي ظرف من الظروف... فالملكية كانت ولا تزال قوة متكيفة ومنفتحة وقادرة على دفع منظومة «التعاقد» و«المواطنة» و«الإجماع» و«التعاقد» إلى الأمام دون أي تهييج ولا تثوير مجتمعي وكيفما كانت نوعية الفاعلين السياسيين المتواجدين داخل حلبة الصراع السياسي. فحزب العدالة والتنمية في نظري على رغم أيديولوجيته الإسلامية التي عليها أنشئ، ومنذ توليه رئاسة الحكومة منذ سنوات على إثر انتخابات نزيهة، أضحى حزباً محافظاً أكثر منه إسلاموياً... فلم تتغير أمور الدين في المغرب، ولا أخذت قرارات لا مدنية، فهذه أمور لا يمكن أن تستقيم في مجتمع ذي مجال سياسي عام وفي مجتمع له ثوابته الدينية حيث إمارة المؤمنين ووحدة المذهب المالكي الوسطي المعتدل. - على حزب العدالة والتنمية أن يتوفر على الشجاعة الكافية والذكاء الأيديولوجي والفكر الضروريين في القرن الحادي والعشرين لتغيير «منطقه الأيديولوجي» نهائياً ليصبح قولاً وفعلاً، وفي مراجعه المسطرة، حزباً يمينياً محافظاً، تاركاً الدين للجميع، وأن يسعى إلى تجديد النخب وتكوين رجالات الدولة، فلا أتمنى أن يرى أطفالي بعد أن يكبروا نفس الأسماء ونفس الأشخاص الذين يسيّرون قطاعات الحكومة، وهي ملاحظة سارية على جل الأحزاب المتواجدة في حلبة الصراع السياسي المغربي.