الهجوم الإرهابي الذي وقع في محطة مترو أنفاق سان بطرسبرج يوم الاثنين الماضي، لم يثر الكثير من التعاطف المؤسسي في الغرب، على العكس من هجمات إرهابية كبرى أخرى. فبرج إيفل في باريس، وبوابة براندنبورج في برلين، على سبيل المثال لا الحصر، لم تتم إضاءتهما بألوان علم بلد الضحايا. ومع ذلك، يوجه هذا الهجوم رسالة مقلقة للدول الغربية، مؤداها أن القيود على الحرية والخصوصية باسم الأمن، لن توقف الإرهاب. فروسيا، كما هو معروف، تعتبر واحدة من الدول التي تطبق بعضاً من أشد التشريعات المضادة للإرهاب في العالم من حيث الصرامة وعدم الليبرالية. وروسيا أيضاً من الدول صاحبة التواجد البوليسي الكثيف، حيث حلت في المرتبة السابعة للدول صاحبة أعلى نسبة من رجال الشرطة إلى عدد السكان لعام 2014 حسب الأمم المتحدة. والإجراءات الأمنية المرئية في محطة سان بطرسبرج، حيث وقع الانفجار الذي أدى إلى مصرع 14 شخصاً وإصابة 40 آخرين إصابات خطيرة يوم الاثنين الماضي، أكثر صرامة مما هو مطبق في منظومات مترو الأنفاق في معظم الدول الغربية. ومع ذلك لم تكشف أجهزة كشف المعادن في المحطة القنبلة المسمارية التي فجرها الإرهابي داخل قطار متحرك بين المحطات يوم الاثنين، كما لم تكشف أيضاً عن أداة مماثلة عثر عليها بالصدفة في محطة أخرى قبل أن تنفجر. أما كاميرات الدوائر التلفزيونية المغلقة فتبين أنها كانت تعمل بشكل جيد. فعقب الهجوم مباشرة، عرضت شبكة التلفزة الروسية REN-TV الحكومية، صوراً لـ«إرهابي مشتبه به» وهو رجل ملتحٍ، يرتدي ثياباً سوداء، وقبعة مستديرة، ويمثل الصورة النمطية لـ«المسلم المتشدد». وقد انتشرت هذه الصورة عبر مواقع التواصل الاجتماعي انتشار النار في الهشيم، وتلقت ذلك النوع من التعليقات التي يمكن للمرء أن يتوقعها في مثل هذه الحالات. وفيما بعد دخل الرجل، الذي نشرت صورته، إلى مركز شرطة في سان بطرسبرج، ليشرح أنه لم يكن هو الذي نفذ الهجوم. والشرطة الروسية لم تعلن عن اسم مشتبه به بعد، ولكن هناك تقارير عديدة تشير إلى انتحاري من جمهوريات آسيا الوسطى. وهناك تقارير أخرى تفيد أن المجموعة التي نفذت الهجوم، كانت تحت مراقبة الشرطة بالفعل، ولكن قوات الأمن لم تتحرك بالسرعة الكافية للحيلولة دون وقوع الهجوم الأول. وجهاز الأمن الروسي، أبعد ما يكون عن أن يوصف بعدم الكفاءة والفعالية. فهو جهاز لديه تقاليد قوية، ومدرب جيداً، ومزود بأحدث المعدات. ولكن المشكلة هي أنه كان من المستحيل تقريباً فحص واكتشاف كل تهديد محتمل في منظومة مترو أنفاق ضخمة، مثل محطة سان بطرسبرج، التي تخدم عدداً من المسافرين يفوق أي محطة في أي مدينة أوروبية أخرى، باستثناء تلك الموجودة في ثلاث من المدن الكبرى. وقد أثبتت أبحاث أوروبية أن الناس يمكنهم أن يحتملوا مستوى معيناً من الإجراءات الأمنية المرئية -كاميرات الدوائر التلفزيونية المغلقة، والكلاب البوليسية، وحتى التأخيرات القصيرة في السفر- ولكنهم يقاومون الإجراءات الأكثر صرامة، مثل تلك التي تطبق في روسيا. فالأشخاص الذي يذهبون إلى روسيا، ويسافرون عبر محطة سانت بطرسبرج مع حقائب ظهر كبيرة، أو حقائب سفر، يجري توقيفهم وفحصهم، وأجهزة الكشف عن المعادن في محطات المترو هناك، لا تقل عن مثيلاتها الموجودة في المطارات، كما أن المسافرين عبر تلك المحطات، يواجهون أيضاً نوعاً من التنميط العنصري غير الرسمي، والذي نتج عنه بجلاء انتشار صورة الرجل الملتحي الذي تداولت صوره عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وعلى رغم كل تلك الإجراءات بالغة الصرامة، إلا أن الهجوم الذي وقع، يعني أن الخطر على المسافرين سيظل قائماً. ومن المتوقع أن يطلق الهجوم الإرهابي، سلسلة من التحقيقات في الكيفية التي كانت تعمل بها الأجهزة، ومدى كفاءة الأفراد العاملين عليها، وسيلي ذلك تشديد الإجراءات الأمنية لأيام، وربما لأسابيع، وسيتم عمل خطط لنشر المزيد من التكنولوجيا والأفراد، وسيكون لدى الرئيس بوتين مبرر يدفعه لتشديد الإجراءات الأمنية قبل انتخابات 2018 الرئاسية، وسيطالب الكرملين العالم بضرورة معاملته كشريك، وليس كعدو، في مكافحة الإرهاب العالمي. وكل ذلك لا يخرج عن إطار الضجة المحمومة المعتادة، التي تحدث في أعقاب وقوع أي هجوم إرهابي، وهي ضجة لا تعني، في رأيي، الكثير بالنسبة لمن اعتادوا على استخدام المترو كوسيلة يومية للسفر. ولكننا ينبغي أن ندرك، مع ذلك، أن «ثنائية» الأمن مقابل «الحرية» هي ثنائية زائفة، وأن بعض الساسة الغربيين الذين يحاولون تسويقها لنا، هم في الحقيقة أكثر اهتماماً بنزع حرياتنا، منهم بجعلنا أكثر أماناً. والروس رضخوا لتلك المقايضة، ولكن هجوم سان بطرسبرح، يظهر بجلاء، أنهم لم يحصلوا سوى على القليل مقابل الحرية التي تنازلوا عنها. والغربيون يجب أن يكونوا متنبهين لذلك، عندما يؤدي الهجوم الإرهابي التالي، إلى حث الحكومات على صوغ قوانين أكثر صرامة، أو إنفاق المزيد من الأموال على إجراءات أمنية أكثر تدخلية في حياة البشر. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»