اليوم تبدأ مدارسنا في الانتعاش من جديد بعد إجازة الربيع التي أتمنى أن يكون الجميع قد استفاد منها في الاستجمام وتجديد المعرفة. من حق المعلم أن تنتهي متطلبات مهنته بمغادرته مدرسته، ومن حق التلاميذ أن تكون لهم حياتهم الاجتماعية فور تجاوزهم أسوار مدارسهم، مقدمة، قد تكون صادمة وبالذات أنها صادرة من تربوي قضى أكثر من ثلاثة عقود من حياته الأكاديمية بين البحث والدراسة والتأمل. المدرسة الإماراتية مرت بمراحل مختلفة كانت في حقيقتها انعكاساً لأفكار قادة التعليم ومجاراة للتطورات التربوية في الساحة العربية تارة ومتأثرين بالمستجدات الدولية أحياناً أخرى، وقد آن لنا أن تكون مدارسنا انعكاساً حقيقياً لطموحات قيادتنا وتحقيقاً لأهداف مجتمعنا، الإمارات العربية المتحدة تعد معلماً عربياً للنجاح والتميز في جوانب كثيرة، لكن التعليم ليس أحدها حتى وقتنا الراهن، وبالإمكان أن يكون لدينا أفضل مما كان، ونقدّم التجربة الإماراتية الناجحة التي بإمكان العرب استنساخها والاستفادة من دروسها. في هذا المقال فكرة لإعادة دراسة مجريات اليوم المدرسي بحيث تنتهي متطلبات الحياة الأكاديمية للمعلمين والمتعلمين قبل مغادرتهم مدارسهم، مما يمكنهم من الاستمرار في الاستمتاع بحياتهم. الواقع المدرسي يقول لنا إن جدول المعلم مضغوط مكثف بحيث تنتهي حصصه مع نهاية دوامه، وهذا يتطلب منه نقل الكثير من الواجبات المدرسية مثل تصحيح الكراسات والتحضير لما هو آت إلى منزله، مما يقضي على حياته الاجتماعية، متناسين أن جل المعلمات في حقيقية الأمر هُن زوجات وأمهات، ولهن الحق في قضاء حياتهن الخاصة بعيداً عن متطلبات المهنة. ومن جانب آخر نجد أن البيوت في الإمارات تحولت في المساء إلى ساحة من المعاناة والحرب الضروس بين الأمهات والأطفال، وأعان الله الأم إن كان لديها أكثر من طفل في المدرسة، فهي تساعد الأول وتغشش الثاني، وربما تحل واجب الطفل الثالث، وتعقدت الأمور في بعض المنازل، وبالذات مع تقدم الأطفال في مراحل التعليم، فأصبحت الأم غير قادرة على استيعاب المناهج مما اقتضى الاستعانة بمعلّمين خصوصيين لتدريس الأطفال فور عودتهم إلى منازلهم، السؤال هنا: هل هذا الوضع طبيعي؟ الإجابة بالنفي. وهل لهذا الحال انعكاسات سلبية على الحياة الاجتماعية للأطفال والأمهات وطبعاً المعلمات؟ الإجابة الصادمة نعم. ففي هذا الوضع تنعدم الحياة الأسرية السوية، ويكره الأطفال المدارس، وربما أمهاتهم القائمات على تعليمهم، وخصوصاً من تستخدم منهن لغة الضرب والعنف رافعين شعار "كف صفعني نفعني"، وهو في حقيقة الأمر دمرني من الناحية النفسية والتربوية. اسمحوا لي بعد ما سلف أن ألخص لكم فكرة هذا الملف الذي همني ردحاً من الزمن، وبلا شك أن تجاوز هذه المِحنة بحاجة لمتطلبات مادية ومنهجية، عند النظر لنصاب المعلم لا بد من دراسة موضوع التنمية المهنية الأسبوعية ومتطلبات المهنة اليومية من تحضير وتصحيح للواجبات والطريقة السوية في احتساب نصاب المعلم ألا تقتصر فقط على عدد الحصص التي يقوم بتدريسها، بل يخصص من نصابه يومياً حصتان للتحضير والتصحيح، وبهذا لن تقتضي مهنته نقل وظائفه خارج مدرسته كغيره من الموظفين الذين تنتهي متطلبات وظائفهم مع انتهاء دوامهم، أما شكل الحصة المقترح فهو أن تتم عملية التدريس في ثلث ساعة فقط ويقوم التلاميذ بعدها بحل الواجبات تحت إشراف المعلمين بقية الحصة، وهذا يتطلب تخفيض كثافة المناهج، بهذه الطريقة يخرج الطفل من المدرسة وقد استوعب المادة الدراسية وجاهز لحياته الاجتماعية، ولن تتحول البيوت عندها إلى مدارس إجبارية، بل "واحات" من الحياة الأسرية الطبيعية التي تتفرغ فيها الأسر لحياة سوية.