سعت الهند جاهدة، خلال السنوات الأخيرة، لتعزيز تعاونها مع كل بلد من بلدان رابطة دول جنوب شرق آسيا، المعروفة اختصاراً بـ«آسيان»، وذلك على خلفية تنامي الوجود الصيني في المجال الحيوي للهند، ومن ذلك المحيط الهندي. فمنذ عقد التسعينيات، ركزت الصين بشكل رئيسي على نسج علاقات سياسية واقتصادية وثيقة مع سنغافورة. ومن جانبها، ساعدت سنغافورة الهند على الحصول على شراكة حوار كاملة في «آسيان» في 1996 ثم سرعان ما تطورت علاقاتها الاقتصادية بعد توقيعهما «اتفاقية التعاون الاقتصادي الشامل» في عام 2005، التي منحت سنغافورة امتياز الريادة التجارية على بلدان أخرى في ذاك التكتل. والعام الماضي، كانت سنغافورة أكبر مستثمر أجنبي في الهند، حيث استقبلت الهند 5.98 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية المباشرة من سنغافورة. ولئن مازالت سنغافورة تمثل الدعامة الرئيسة بالنسبة للهند داخل «آسيان»، فإن بلداناً أخرى من هذا التكتل أخذت تعمل على توطيد علاقاتها مع الهند مؤخراً. فخلال زيارة الرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو إلى نيودلهي قبل ثلاثة أشهر، مثلا، اتفق البلدان على تمتين علاقاتهما الاقتصادية، حيث تعهدت الهند بتشجيع الشركات الهندية على الاستثمار في قطاعات الأدوية وتكنولوجيا المعلومات والبرامج الحاسوبية وتطوير المهارات في إندونيسيا. وضمن هذا الإطار، دعا رئيسُ الوزراء الهندي نظيره الماليزي نجيب رزق هذا الأسبوع لمضاعفة الجهود من أجل صياغة جواب فعال على التحديات وبواعث القلق المشتركة، والرقي بالعلاقات الثنائية إلى مستوى «الشراكة الاستراتيجية». ومع أن زيارته جاءت بمناسبة تخليد ذكرى مرور ستين عاما على إقامة علاقات دبلوماسية مع الهند، إلا أنها كانت كذلك رداً على زيارة مماثلة لرئيس الوزراء الهندي، الذي ذهب إلى ماليزيا لحضور قمة شرق آسيا قبل أقل من عامين. ومن بين بلدان جنوب شرق آسيا الأخرى يلاحظ أن ماليزيا هي الأكثر هدوءاً وضبطاً للنفس نسبياً مقارنة مع فيتنام أو الفلبين في الدفاع عن الجزر التي تطالب بها في بحر جنوب الصين. ولعل مرد ذلك يعود إلى الضغوط الداخلية على اعتبار أن ربع سكان ماليزيا ينحدرون من أصول صينية. ولهذا، فعندما زار ناريندرا مودي كوالالمبور في نوفمبر 2015، حوى البيان المشترك الذي صدر في أعقاب المحادثات الثنائية عبارة تشير إلى تقاسم البلدين «مصلحة مشتركة في التعاون من أجل السلام والرخاء وأمن منطقة آسيا والمحيط الهادئ وما وراءها»، لكنه خلا من أي إشارة إلى بحر جنوب الصين، في ما عكس حذر الجانبين. وإضافة إلى التزام البلدين بإجراء مزيد من المناورات البحرية المشتركة، فإنهما اتفقا أيضاً على تعزيز علاقاتهما التجارية، وتعميق جهود محاربة الإرهاب، وتقاسم التجارب بشأن محاربة التطرف، مع البحث عن مجالات جديدة للتعاون. كما أبدى رئيس الوزراء الماليزي اهتماماً كبيراً بتعزيز العلاقات مع الهند في مجال الدفاع. وللتذكير، فخلال شغله منصب وزير الدفاع في ماليزيا بين عامي 2008 و2010، كان طيارو القوات الجوية الهندية قد ذهبوا إلى ماليزيا من أجل التدريب. ومن جانبها، تبدي نيودلهي اهتماماً بشراء طائرات «ميج 29» من ماليزيا، كانت القوات الجوية الماليزية قد أخرجتها من الخدمة مؤخراً، وستقوم الهند بتجديدها وترقيتها من أجل تعزيز أسطولها من الطائرات الحربية، لكن أهم اتفاقية بين البلدين ربما هي تلك المتعلقة بالتعاون بشأن التنظيم المشترك لمؤتمر كبير حول محاربة التطرف، وذلك من أجل التصدي لخطاب تنظيم «داعش». وبعد أن سجلت عامين من النمو البطيء، أخذت كوالالمبور أيضاً تبحث عن استثمارات أجنبية من أجل تنشيط اقتصادها. ولئن كان الغرب قد عرف تعافياً اقتصادياً تدريجياً، فإن الصين كانت القوة الاقتصادية الكبيرة الوحيدة القادرة على وضع فائض مالها في استثمارات ضخمة في البنى التحتية، مثل الموانئ والسكك الحديدية والمناطق الصناعية لتصبح بذلك مستثمراً أجنبياً كبيراً في ماليزيا. ومع بلوغ حجم التجارة الثنائية 12.8 مليار دولار أميركي في عامي 2015-2016، باتت ماليزيا ثالث أكبر شريك تجاري بالنسبة للهند في مجموعة «آسيان». وبالنظر إلى عدم وجود منغصات حالياً بين نيودلهي وكولالمبور، فإنه من الواضح أن البلدين مصممان على تعزيز شراكتهما في كل المجالات الممكنة تقريباً. وهناك عدد كبير من الشركات الماليزية التي أقامت مشاريع مشتركة في الهند. وبالنظر إلى قرار رئيس الوزراء ناريندرا مودي إعادة تسمية سياسة الهند تجاه المنطقة «العمل شرقاً»، بدلا من «النظر شرقاً»، من الواضح أن مجموعة «آسيان» هي هدف الهند المقبل للاستفادة من وضعها الحالي كأسرع اقتصاد نمواً في العالم.