منذ اقتحام مارين لوبن، زعيمة حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف حلبة الحملة الانتخابية الرئاسية الراهنة، ظلت الفضائح الحقيقية أو «الوهمية»، تطاردها، وتواتر صدور عدد غير قليل من الكتب عن سيرتها الذاتية وحياتها الحزبية، ومن وراء ذلك سيرة الحزب نفسه ولوبن الأب، وكل ما من شأنه جعل الفرنسيين يرون مثالب وسلبيات هذا الحزب اليميني المتطرف وقياداته غير المثالية في مواقفها وسلوكها، ومن الألف إلى الياء. وقد اعتبر كثيرون أن محاولات شيطنة مارين لوبن، وتشويه سمعتها بالحق أو الباطل، ليست استراتيجية جيدة لضمان عدم انتخابها واقتحامها لقصر الأليزيه في النهاية، مع كل ما يثيره ذلك من هواجس ومخاوف واسعة في البلاد. فشيطنة زعيمة الجبهة الوطنية تتيح لها فرصة تقديم نفسها للناخبين الفرنسيين في لبوس الضحية، المستهدفة، المتآمر عليها، من طرف جميع قوى اليمين واليسار الفرنسيين، أو ما تسميه هي «المؤسسة» والنخب السياسية التقليدية المنفصلة عن اهتمامات الشعب الفرنسي الحقيقي الذي تمثله مارين من دون غيرها، وتعتبر نفسها «مرشحة الشعب» الناطقة باسمه! غير أن الصحفي الفرنسي لوران فارج لا يرى عدم شيطنة لوبن، ويراهن على العكس تماماً في كتابه الصادر في شهر مارس المنصرم تحت عنوان: «محاكمة مارين لوبن الممنوعة»، حيث يتتبع تفاصيل إحدى قضايا مارين في المحاكم ومسار الادعاء والاتهام على خلفية تهم فساد تجمع ما يكفي من الأدلة للاعتقاد بأن ابنة لوبن ضالعة فيها هي والحاشية المقربة منها، من حراس معبد الحزب. وليس الاتهامات بالحصول على أموال لتمويل الحملات الانتخابية لمرشحي الجبهة الوطنية هي وحدها ما يطارد لوبن مما يتتبع المؤلف ملفاته وأطواره القضائية في كتابه الواقع في 224 صفحة، وإنما تمتد الاتهامات أيضاً إلى الاشتباه في إنشاء هيئات سياسية وهمية، أو موازية، للتغطية بها على بعض أنشطة الجبهة، ومن تلك الهيئات مثلاً الحزب القزمي، وإلى حدما الوهمي، المسمى «جين»، وكذلك الشبهات القوية حول منح شركة «ريوال» أموالاً لتمويل حملات بعض المرشحين المقربين من لوبن، ولا يسمح القانون للشخصيات الاعتبارية بتمويل الحملات الانتخابية. وليست الشبهات والاتهامات الموجهة ضد لوبن خاصة بفرنسا وعلاقات الجبهة الإخطبوطية مع مختلف قوى اليمين المتطرف فيها، بل إن البرلمان الأوروبي قد دخل أيضاً بقوة على خط اتهام زعيمة الجبهة، حيث اتهمها رسمياً بالحصول على أموال لحارسها ومديرة مكتبها باعتبارهما معاونين برلمانيين لها في البرلمان الأوروبي، وهو ما أخفقت في تقديم دليل عليه، حيث إنهما لم يعملا معها في الجهاز التشريعي الأوروبي، وإنما ضمن سياق ارتباطهما بالجبهة فقط. وقد طالب البرلمان الأوروبي برد أموال تزيد على مائتي ألف يورو، وهو ما رفضته لوبن، وبالتالي لم يبق أمامه سوى خصم تلك الأموال من مخصصاتها البرلمانية. وأكثر من ذلك هنالك أيضاً من يتهم لوبن بتلقي تمويلات انتخابية من أطراف خارجية ودولية معينة مثل روسيا وبعض حلفائها القاريين، على سبيل المثال لا الحصر، وإن كانت «مرشحة الشعب» ظلت أيضاً ترفض تلك الاتهامات بحزم. والكن المفارقة أن زعيمة الجبهة الوطنية التي ظلت تتصدر السباق الرئاسي الحالي لوقت طويل، قبل أن يلحق بها ويتجاوزها قليلاً بفارق ضئيل في بعض الاستطلاعات المرشح المستقل إيمانويل ماكرون، لم تتضرر من كل هذه الفضائح والقضايا المالية وشبهات الفساد المنظورة أمام القضاء، وهي بذلك تثبت أنها مثل أبيها بسبع أرواح سياسية، حيث رأينا في المقابل منافسها مرشح الجمهوريين، فرانسوا فيون، يهوي مباشرة في حالة سقوط حر في استطلاعات الرأي وتنهار حملته تقريباً، بمجرد نشر مجلة «لوكانار أنشينيه» مزاعم حول شبهات وممارسات فساد تحوم حوله وحول بعض أفراد أسرته. ولعل أقرب تفسير لصمود مارين حتى الآن هو المناعة السياسية التي اكتسبتها الجبهة من الاستهداف، وأيضاً تغير المزاج العام في فرنسا تجاه النخب السياسية التقليدية، وإن لم يصل هذا التغير في المزاج أيضاً إلى حد ترجيح احتمال فوز لوبن في الشوط الثاني من الرئاسيات الذي يتوقع بقوة أن تصله مع ماكرون. حسن ولد المختار الكتاب: محاكمة مارين لوبن الممنوعة المؤلف: لوران فارج الناشر: فيرست تاريخ النشر: 2017