يوم الاثنين الثالث من أبريل الجاري التقى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب في البيت الأبيض، وذلك في أول زيارة له إلى الولايات المتحدة كرئيس منذ أن امتنعت إدارة أوباما عن توجيه دعوة له بسبب خلاف في وجهات النظر. ومن وجهة نظر الرئيس السيسي، فقد شكّل هذا الاجتماع نجاحاً كبيراً للجانبين الأميركي والمصري، لا سيما بالنظر إلى الدعم العلني جداً الذي أظهره ترامب لضيفه. الرئيس ترامب لم يدلِ بأي تصريحات علنية حول بعض الموضوعات الخلافية بين القاهرة وواشنطن في عهد الإدارة السابقة، لكنه شدد، في مقابل ذلك، على أهمية العلاقات الاستراتيجية بين الولايات المتحدة ومصر. ولئن كان من غير المستبعد أن يكون قد أثار مواضيع حساسة مع ضيفه، بعيداً عن كاميرات الصحفيين، فإن النبرة العامة للقاء كانت نبرة صداقة وارتياح وتعاون إيجابي. وغني عن البيان أن ترامب ورث عن سلفه باراك أوباما أجندة شرق أوسطية حبلى بالتحديات والمصاعب، كما ورث عدداً من الحروب والنزاعات المتواصلة التي لا علاقة له بها، شأنه في ذلك شأن سلفه أوباما نفسه. والجدير بالذكر هنا أيضاً أن ترامب كان قد انتقد بشدة خلال حملته الانتخابية الرؤساء السابقين، وخاصة أوباما وجورج دبليو. بوش، وذلك على خلفية سياساتهم الخارجية الخاطئة وغير الموفقة في منطقة الشرق الأوسط. غير أن الشرق الأوسط بات الآن على رأس أجندة الإدارة الحالية، والخيارات المتاحة أمامها من أجل إحداث تغيير جوهري في الأحداث الميدانية تبدو قليلة وقاتمة إلى حد كبير. ذلك أن القوات العسكرية الأميركية منخرطة حالياً، بمستويات مختلفة، في القتال الدائر في كل من اليمن والعراق وسوريا وليبيا والصومال. كما أنه ما زال لديها وجود مهم في أفغانستان. ولعل العراق هو البلد الوحيد الذي يمكن القول إن تقدماً حقيقياً قد تم تحقيقه فيه خلال العامين الماضيين. ولا شك أن الهزيمة المحتملة لتنظيم «داعش» في الموصل ستمثل انتصاراً مهماً للحكومة العراقية وللولايات المتحدة وحلفائها أيضاً، إضافةً إلى إيران التي تقدم قدراً مهماً من المساعدة والنصائح للمليشيات المختلفة التي تقاتل إلى جانب القوات العراقية ضد «داعش». غير أن الاختبار الحقيقي في العراق سيأتي عندما تضع الحرب في الموصل أوزارها، وتطفو على السطح مشاكل إعادة توطين اللاجئين من دون إعادة إشعال فتيل القتال الطائفي بين المليشيات السنّية والشيعية هناك. وبالمقابل، يبدو الوضع في سوريا مختلفاً إلى درجة كبيرة، ويطرح عدداً من التحديات بالنسبة لإدارة ترامب، ليس أقلها حقيقة أن نظام الأسد تمكن، بفضل الدعم المهم الذي يتلقاه من روسيا وإيران و«حزب الله»، من بسط سيطرته على مناطق مهمة في غرب البلاد، حيث يتركز معظم السكان والبنية التحتية الاقتصادية، غير أنه بعد قرابة ست سنوات من القتال الوحشي في سوريا، بات الرجاء الوحيد بالنسبة لكثير من السوريين اليوم هو توقف العنف وعودة الاستقرار، وهو ما يعني على المدى القصير قبول نظام الأسد وإمكانية استمرار وجود عسكري روسي وإيراني مستمر في البلاد. ومن جهة أخرى، تطرح روسيا وإيران مشاكل مختلفة بالنسبة للولايات المتحدة والجيران الإقليميين، وخاصة إسرائيل. والواقع أنه ما زال من غير المعروف ما إن كانت إدارة ترامب ستصبح أكثر تقبلاً للدور الروسي، غير أنه بالنظر إلى العديد من التصريحات التي صدرت عن مسؤولين في إدارة ترامب، مثل وزير الدفاع جيمس ماتيس الذي يحظى بكثير من الاحترام والتقدير، يمكن القول إن إيران يُنظر إليها باعتبارها تهديداً كبيراً للمصالح الأميركية. وبدورها، تنظر إسرائيل إلى إيران باعتبارها تهديداً كبيراً كذلك، لا سيما بالنظر إلى دعمها لـ«حزب الله» اللبناني، غير أن حكومة بنيامين نتنياهو والرئيس فلاديمير بوتين تجمعهما علاقة جيدة للغاية، ولهذا السبب فإن إسرائيل ليست مستاءة من الوجود الروسي في سوريا، والذي تعتبره كابحاً لإيران و«حزب الله» وسداً في وجه المنظمات السنية المتطرفة. ووسط هذا العالم المعقد من التحالفات المتعددة والأهداف الاستراتيجية المختلفة، يتعين على إدارة ترامب أن تجد طريقة لصياغة سياسة منسجمة ومتماسكة خاصة بالشرق الأوسط، سياسة تحقق توازناً بين علاقاتها الوثيقة مع إسرائيل، وصداقتها الجديدة مع مصر، ودعمها المستمر لدول الخليج، مع الحاجة إلى العمل مع روسيا والاعتراف بأن إيران تظل لاعباً له دوره في العراق والتزامه بـ«خطة العمل التعاوني المشترك» (الاتفاق النووي)، من أجل كبح برنامج أسلحته النووي، وهو أمر أساسي بالنسبة لاستقرار المنطقة. بيد أن مسألة ما إن كانت إدارة ترامب ستكون قادرة على معالجة كل هذه التحديات والتعاطي في الوقت نفسه مع الأزمة مع كوريا الشمالية، والتهديد الروسي المتواصل لأوروبا، ستظل سؤالاً معلقاً إلى حين.