اعتادت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة على طرح العديد من أفكار ومشاريع لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، تفاوتت في خطورتها، وهي تركز في مجملها على سلب الأرض الفلسطينية والتخلص من الشعب الفلسطيني. سلاحها الأشهر، إضافة إلى الحرب والحصار والاضطهاد، يتجلى في سياسة الاستيطان. والمشاريع آنفة الذكر تتوافق، في مجملها، على رفض قبول دولة فلسطينية مستقلة وهدفها المركزي إعلان «الدولة اليهودية الخالصة». أما أحدث هذه المشاريع فيتجسد بخطة رئيس حزب «البيت اليهودي» الوزير اليميني المتطرف (نفتالي بينيت) التي عرضت منح 40% من الضفة الغربية «حكماً ذاتياً» مرتبطاً بالدولة الصهيونية، مع ضم 60% من الأراضي المتبقية من الضفة إلى دولة الكيان الصهيوني، ودفع قطاع غزة إلى إقامة «دولة فلسطينية مستقلة». وتعزيزا للحكم الذاتي «المنشود» تتضمن خطة (بينيت) وضع برنامج إنقاذ اقتصادي شبيه بـ«خطة مارشال» الأميركية لمساعدة أوروبا بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، بحيث يشمل ذلك البرنامج استثمارات اقتصادية هائلة في البنى التحتية «من أجل الازدهار»، طبعاً دون القدس التي ستكون، في نظره، عاصمة الدولة الصهيونية، مع نفي حق إعادة اللاجئين الفلسطينيين من دول العالم إلى أراضي «الحكم الذاتي» الفلسطيني. بينيت واثق، بحسب تصريحاته، بأن الكل في إسرائيل يدعم مشروعه: «نتنياهو والوزراء و(الشعب)»، وهو الأمر الذي تؤكده نتائج استطلاع للرأي نشرته مؤخراً الإذاعة الإسرائيلية العامة. فنصف اليهود الإسرائيليين يؤيد ضم الأراضي الفلسطينية المحتلة إلى السيادة الإسرائيلية: أكثر من نصف مصوتي حزب «ليكود» الحاكم، وأكثر من 60% من مصوتي «البيت اليهودي»، وأكثر من 80% من مصوتي حزب «شاس» الديني المتزمت. ويعلن «بينيت»، مؤمناً بسهولة تطبيق أفكاره، أنه «حان الأوان لاختبار حلنا، السيادة، وأخذ أكبر قدر من الأراضي مع أقل عدد من الفلسطينيين». ويضيف: «الحل هو أن نفعل ما فعلناه في القدس ومرتفعات الجولان وفرض السيادة الإسرائيلية هناك أيضاً». ويوضح: «المجتمع الدولي سيسلّم بذلك لأن العالم لا يحب الدول الضعيفة التي تتخلى عن أراضيها»! ومع أن «بينيت» وحزبه «البيت اليهودي» هما أهم حليف بالنسبة لرئيس الوزراء نتنياهو، فإن اتساع دائرة التحقيق مع هذا الأخير بتهمة الفساد، مع عودة التحالف القديم الجديد بين الأخير ووزير الحرب «أفيغدور ليبرمان»، وتنسيق نتنياهو خطواته بشأن الاستيطان مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب، كلها عوامل عززت شهية بينيت لرئاسة الحكومة. ويبدو أن الأخير قد بات متأكداً من اقتراب نهاية حكم نتنياهو لدرجة أنه أعلن: «إذا اضطر نتنياهو إلى الرحيل، فإننا لن نوافق على حكومة بديلة، بل سندعم تقديم موعد الانتخابات العامة». في مقال للمحلل السياسي الإسرائيلي «زئيف كام» كتب يقول: «لقد قرر بينيت إثارة جنون نتنياهو، ورداً على ذلك قرر رئيس الحكومة إعلان إقامة وحدات سكنية جديدة في (يهودا والسامرة)، سويّة مع حليفه الجديد القديم ليبرمان، وليس في إطار جلسة المجلس الوزاري التي يشارك فيها بينيت». ويضيف «كام»: «ليس سراً أنه بدأ يبرز بين ليبرمان وبينيت في الفترة الأخيرة شعور متزايد بالعداء وهجمات متبادلة كثيرة على خلفية البناء في المستوطنات، وبصورة خاصة على خلفية تصرفات بينيت إزاء الإدارة الأميركية الجديدة. ويبدو أن الصراع بين الاثنين على وراثة نتنياهو سيزداد وسيصبح أكثر قذارة». بل إن بينيت كان أكثر صراحة، ففي مقابلة أجرتها معه صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية عقب قرار مجلس الأمن بشأن «الاستيطان»، كان صريحاً بقوله: «لقد كانت إسرائيل غير واضحة في موقفها لسنوات طوال، فرؤساء الوزراء الإسرائيليين من اليمين واليسار تحدثوا عن إقامة دولة فلسطينية في قلب (أرضنا)، وفي ذات الوقت، السياسات الإسرائيلية لا تدعم هذه الرؤية. أعتقد أن هذا هو السبب الذي أحبط العالم. ما أريده هو أن تتطابق أقوال وأفعال إسرائيل معاً». يبدو أن أطراف الحلف الحاكم في إسرائيل باتت تدرك أن التطرف يعبد الطريق إلى رئاسة الحكومة، وهو ما يمثله بينيت اليوم، رغم أن حكومة نتنياهو هي الأكثر تطرفا في تاريخ الدولة الصهيونية. فـ«بينيت» هو الممثل الأبرز للمستوطنين، ولا يحاول تجميل صورته أمام العالم، ويعمل بشكل علني، أكثر من غيره، لغرس النزعات المتطرفة في المؤسسات الرسمية، مثل الجيش وجهاز التعليم والجهاز القضائي. وهو وحزبه يطرحون ويؤيدون كافة القوانين العنصرية. وغني عن الذكر أن بينيت هو المطالب الأول بتشريع الاستيطان. وفوق ذلك كله، كان بينيت والوزراء وأعضاء الكنيست من حزب «البيت اليهودي» من أوائل المبادرين لاقتحامات المسجد الأقصى والاستيطان في قلب الأحياء الفلسطينية بالقدس، مثلما كانوا طليعة الداعين إلى قتل الفلسطيني عند الاشتباه، مجرد الاشتباه، بنيته تنفيذ عملية طعن، ناهيك عن مطالبة بينيت وحزبه بممارسة سياسة «تدفيع ثمن» ضد فلسطينيي الـ 48 من خلال هدم المنازل في البلدات العربية بحجة أنها بنيت من دون تراخيص!