يقدم كتاب «إنتاج المال.. كيف نُحجّم البنوك»، للخبيرة الاقتصادية «آن بيتيفور» شرحاً لكيفية دورة المال والائتمان في الاقتصادات المعاصرة، وبعض المشكلات التي أفضت إلى تفجر الأزمة المالية العالمية عام 2008، ومن ثم توضح المؤلفة آراءها حول كيفية حل هذه المشكلات، بما في ذلك وضع ضوابط جديدة على تدفقات رؤوس الأموال العالمية. وفي الجزء الأخير، رغم أن عنوان الكتاب لا يوحي بذلك، تكيل المؤلفة الانتقادات للتقشف المالي. وتقول «بيتيفور»: «إن كثيرين لم يكونوا من متأهبين للأزمة المالية التي لا تزال تداعيتها قائمة حتى اليوم، ولا يزالون في حالة جهل مطبق بشأن عمل النظام المالي»، موضحةً أن ذلك من بين أسباب فشل صنّاع السياسات في معالجة كثير من إخفاقاتهم. ولعلّ أحد أهداف الكتاب «تبسيط المفاهيم المرتبطة بالمال والتمويل والاقتصاد، وجعلها مفهومة لشريحة أكبر من الجماهير»، وهو ما نجحت فيه «بيتيفور» إلى حد ما، فالفصل الثاني يقدم شرحاً واضحاً لكيفية «إنتاج المال»، والأثر الإيجابي لذلك على تسهيل النمو الاقتصادي، وفيه تشير إلى أن «إنتاج المال» بات عملية معقدة ومفهوماً غير ملموس، بعدما تخلت الحكومات عن دعم طباعتها للأموال بسبائك الذهب لدى البنك المركزي. وفي بقية كتابها، تشخص «بيتيفور» أهم المشكلات التي أصابت النظام النقدي العالمي، وتقدم وصفتها لكيفية العلاج. وتزعم أنه في ظل «النظام المالي المتحرر من القيود»، يمكن للبنوك التجارية توفير الائتمان بفاعلية دون حدود، وبقليل من القيود التنظيمية، عازية ذلك إلى أن الحكومات والبنوك المركزية لا تفرض قيوداً على الأمور التي يستخدم فيها المقترضون الأموال، وبالتالي تُمول البنوك بصورة متزايدة أنشطة مضاربة، بدلاً من تمويل «استثمارات إنتاجية واضحة». ونوّهت المؤلفة إلى أن الأضرار الجانبية لهذا النوع من الإقراض هي نوع من «وعود السداد» التي يمكن أن تتبخر، ويتم التقصير في أدائها، وهو ما يُشكل تهديداً لبقية النظام، لكن رغم أن وصفة المؤلفة غنية بالمعلومات، فإنها لم تقدم سرداً مفصلاً للمشكلات التي أفضت إلى الأزمة، كذلك الذي طرحه الخبير الاقتصادي «مايكل لويس» مثلاً في كتابه «العجز الكبير». وعند طرحها للمشكلة، تستخدم المؤلفة لهجة ثورية، لكن كثيراً من العلاجات التي توصي بها، مثلما تقرّ، عادية إلى حد بعيد، إذ تشمل مراقبة حركة الائتمان قياساً على الدخل القومي، وتقييد معدلات الرهن العقاري بدرجة أكبر، لربط القيمة بالقرض، وفرض قيود أقوى على البنوك وإصدار الحكومة لسندات بأسعار فائدة منخفضة في كل آجال الاستحقاق. بيد أن الأقل شعبية، مطالبها بالتدفقات الرأسمالية الدولية من خلال فرض ضريبة «توبين» على المعاملات المالية، والهدف من ذلك إضعاف عمليات التداول. وسميت هذه الضريبة نسبة إلى «جيمس توبين» رجل الاقتصاد الحائز على جائزة نوبل، وكان المقصود منها الحد من تقلب أسعار الصرف في سوق العملات، بيد أنها تعكس عداوة واسعة النطاق تستهدف القطاع المالي. ويتسق دعم المؤلفة لهذه الإجراءات مع اعتقادها، الذي أعربت عنه في الكتاب، بأن كل شيء كان يمضي على ما يُرام حتى بدأ النظام المالي العالمي في التحرر من القيود، عقب انهيار «نظام بريتون وودز» في عام 1971. والدليل الذي تسوقه لدعم اعتقادها هو أن السياسات التي كانت قائمة أثناء حقبة «بريتون وودز»، كانت تتفوق بشكل كبير على السياسات القائمة حالياً، والتي يبدو أنها أكثر انتقائيةً. وتستشهد المؤلفة ببيانات قدمها المؤلفان «كينيث روجوف» و«كارمن رينهارت» في كتابهما «هذا العصر مختلف»، كدليل على أن «الأزمات المالية انتشرت» بعد سبعينيات القرن الماضي، غير أن نظرية «روجوف» و«رينهارت» كانت تقول بأن العالم شهد أزمات مماثلة في القرون الماضية، وسيشهدها مجدداً. وتحاول المؤلفة تقديم وجهة نظرها حول مجموعة المشكلات والأنظمة المالية في العالم، وهو ما يبدو مفيداً لقراء غير مطلعين على مثل هذه القضايا، لكنها في بعض أجزاء الكتاب تطرح أوصافاً، ربما تبدو مشوشة حول ملامح «النظام النقدي». وبقولها: «إن النظام العالمي» مهدد مرة أخرى بـ«الانزلاق في الركود»، وهو يواجه خطر «الانكماش»، فإنها تكرر عبارات مستهلكة، وإن كان الكتاب يساعد الجمهور على «تطوير فهم أفضل بكثير» لكيفية عمل النظامين المالي والمصرفي. وأسلوب المواجهة، الذي يتسم به الكتاب، بانتقاد القوى الفاعلة في الأسواق المالية، وكثير من خبراء الاقتصاد والسياسة، قد لا يروق لكثير من هؤلاء. والحقيقة أن كثيراً من الأوصاف التي أوردتها الكاتبة بحق تلك الفئات، تبدو انتقائية، ولم تدعمها في كثير من الأحيان بأدلة قوية. وائل بدران الكتاب: إنتاج المال.. كيف نُحجّم البنوك المؤلفة: آن بيتيفور الناشر: فيرسو تاريخ النشر: 2017