مع وصول الإدارة الأميركية الجديدة زادت شركات الطيران الأميركية من ضغوطها لاتخاذ قرارات غير مباشرة لإلحاق الضرر بشركات الطيران الخليجية، مما أدى إلى اتخاذ إجراءات أعلن عنها مؤخراً، كمنع حمل الأجهزة الإلكترونية الكبيرة مع الركاب. ولاستبعاد الهدف الحقيقي فقد أضيفت شركات شرق أوسطية أخرى إلى القائمة حتى لا يقال إن الأمر يختص بالشركات الخليجية فقط! لقد تحدث الإعلام الغربي كثيراً خلال الأربعين عاماً الماضية عن حرية الأسواق وانفتاحها وعدم فرض قيود، بل وفرضت ضغوط على الكثير من البلدان لفتح أسواقها وإتاحة حرية العمل لرؤوس الأموال، وهو توجه تعزز مع العولمة، إلا أن هذا التوجه يتم التراجع عنه حالياً من قبل نفس الدول التي دعت إليه، كالولايات المتحدة التي تفرض إجراءات حمائية معقدة. ولذلك، فإن القرارات الأميركية الأخيرة ضد شركات الطيران الخليجية لا تحمل مضامين أمنية إطلاقاً، وإنما هي إجراءات تجارية بحتة ترمي إلى زيادة القدرات التنافسية لشركاتها، وذلك بعد أن ترهلت هذه الشركات وفقدت الكثير من بريقها لأسباب تتعلق بسوء الإدارة وتراجع مستوى الخدمات التي تقدمها، علماً بأن مثل تلك القرارات لن تفيد كثيراً الشركات الأميركية، فالأمر يتطلب النظر في جوهر وحقيقة أسباب هذا التراجع ومعالجة أوضاعها من خلال تطوير أنظمتها الإدارية ومستوى خدماتها. ومن المعروف أن الإجراءات الأمنية في شركات الطيران الخليجية، هي الأفضل على مستوى العالم بشهادة الاتحاد الدولي للنقل الجوي «إياتا»، بدليل أنه تم خرق وتجاوز الإجراءات الأمنية في مطارات وشركات أميركية وأوروبية، إلا أن ذلك لم يحدث قط في أي من المطارات الخليجية التي تتمتع بمستويات عالية من الأمن، كما يتضح أثناء السفر في دول مجلس التعاون. والقرار الأميركي يذكرنا بقرارات الحماية في بعض البلدان النامية التي لم تستطع خلال ستة عقود تطوير اقتصاداتها وشركاتها وأعمالها، فعمدت إلى اتخاذ إجراءات حمائية زادت من أزماتها بدلاً من أن تدعم اقتصاداتها، وهو حال بلدان أوروبا الشرقية سابقاً كذلك، بدليل ما قالته صحيفة US Today التي ذكرت أن ذلك إلى جانب المناخ السياسي غير المرحب يمكن أن يسبب خسائر للسياحة الأميركية قد تصل إلى 18 مليار دولار على مدار العامين المقبلين، موضحة أن السياحة الخارجية تحقق للولايات المتحدة 250 مليار دولار سنوياً، وقد أدت القرارات الأخيرة إلى تراجع الرغبة عالمياً في زيارة أميركا وفقاً لما قاله مسؤولو السياحة والسفر الأميركيون. أما «إياتا»، كمنظمة دولية، فقد قالت: «إن القواعد الجديدة التي فرضتها أميركا لمنع المسافرين جواً من بعض دول الشرق الأوسط من حمل الأجهزة الإلكترونية الكبيرة إلى داخل مقصورات الركاب غير مقبولة، ويمكن أن تبدد الثقة في السفر بالطائرات». وعلى رغم تخوف شركات الشرق الأوسط المعنية بالقرار، فإننا نعتقد أن تأثيراته ستكون محدودة، ولن تفيد شركات الطيران الأميركية كثيراً، فإذا ما لاحظنا نسبة المستخدمين للأجهزة الإلكترونية الكبيرة للمسافرين، بما في ذلك درجة رجال الأعمال، فسنجدها متواضعة، علماً بأن التقدم التكنولوجي المطرد مكن الأجهزة الصغيرة من القيام بنفس مهام الأجهزة الكبيرة التي يتم التخلي عنها تدريجياً لصالح الأجهزة الأصغر حجماً، كما أن الشركات الخليجية، كالاتحاد وفرت بدائل بتزويد المسافرين بـ«آي باد» و«واي فاي» مجاناً، في حين اتخذت طيران الإمارات والقطرية إجراءات وقائية، إذ إن الأمر يتعلق هنا بالأسعار ومستوى الخدمات، وهو ما يجب على الشركات الأميركية والأوروبية أن تعيد النظر فيه حتى لا تتكبد المزيد من الخسائر، حيث أساءت إليها الإجراءات الأخيرة التي لم تقنع أحداً بجوانبها الأمنية، إذ يعرف الجميع، بما فيهم متخذو القرار دوافعها بأبعادها التجارية.