يحتل الاكتئاب مرتبة متقدمة على رأس قائمة أسباب المرض والإعاقة، حسب تقديرات منظمة الصحة العالمية. حيث تشير تقديرات المنظمة الدولية إلى إصابة 300 مليون شخص حالياً بالاكتئاب، وهو ما يشكل زيادة بمقدار 18 في المئة ما بين عامي 2005 و2015. ومما يزيد الطين بلة، أن هؤلاء المرضى يفتقدون الدعم الصحي والاجتماعي الكافي، ويعيشون تحت سحابة الخوف من وصمة العار التي قد تلصق بمن يصابون بمرض نفسي، وهو ما يعيقهم عن الحصول على العلاج الضروري كي يحيوا حياة صحية منتجة. ومن المؤسف أيضاً أن نصف حالات الإصابة بالأمراض النفسية والعقلية، يحدث قبل سن الرابعة عشرة، فمن بين جميع أطفال العالم ومراهقيه، يعاني 20 في المئة منهم من نوع أو آخر من المشاكل النفسية أو العقلية. ويترافق هذا الانتشار الواسع لتلك الأمراض بين صغار السن، مع تدهور ملحوظ في مستوى الرعاية الطبية النفسية في مناطق العالم التي تتميز بوجود مجتمعات صغيرة السن. أي أنه في الدول التي يتميز سكانها بصغر أعمارهم، وبالتالي يوجد فيها عدد أكبر من حالات الاضطرابات النفسية، نجد أنها تفتقر للمصادر والخدمات القادرة على توفير الرعاية المناسبة لهؤلاء المرضى. ويتجسد هذا الوضع في حقيقة أن الدول الفقيرة ومتوسطة الدخل، يوجد طبيب واحد متخصص في أمراض الأطفال النفسية، لكل أربعة ملايين من السكان، ويندر فيها بوجه عام حجم المصادر المالية المخصصة لعلاج الأمراض النفسية. ويأتي إطلاق تقديرات عدد المصابين بالاكتئاب ومكانة هذا المرض على قائمة أسباب الاعتلال والإعاقة، بالتزامن مع حلول الذكرى السنوية لليوم العالمي للصحة، والذي يحل كل عام في السابع من أبريل، كما يعتبر إطلاق هذه التقديرات نقطة الذروة في حملة استمرت طوال العام، وأشرفت عليها منظمة الصحة العالمية وحملت عنوان «الاكتئاب: لنتحدث عنه»، وهدفت بشكل رئيس إلى حث المزيد من المصابين بالاكتئاب، في جميع أرجاء العالم، على طلب المساعدة الطبية، وكيفية الحصول عليها. وتُعتبر تلك الأرقام والتقديرات، نداءً عاجلاً لجميع دول العالم بإعادة النظر في مقاربتها الحالية للصحة العقلية، وضرورة منحها الأهمية والأولوية التي تستحقها. وربما كانت أهم نقطة في إعادة النظر المطلوبة، هي مجابهة ومواجهة التمييز السلبي، والاضطهاد أحياناً، ووصمة العار التي يوصم بها المصابون بالاكتئاب، وبباقي أنواع وأشكال الاعتلالات النفسية. وبخلاف هذا التغيير الثقافي المطلوب في الوعي الاجتماعي العام، يظل من المطلوب أيضاً زيادة الاستثمار، بناء على أنه في العديد من دول العالم ينعدم أو يندر ما هو متوفر من دعم اجتماعي وصحي للمصابين بالأمراض النفسية. وهو ما يتضح من حقيقة أنه حتى في الدول الغنية والصناعية، لا يتلقى 50 في المئة من مرضى الاكتئاب العلاج المناسب. ففي المتوسط، تستثمر الحكومات مجرد 3 في المئة من ميزانيات الرعاية الصحية في الوقاية من الأمراض النفسية وعلاجها، وتتراوح هذه النسبة من 5 في المئة في الدول الغنية والصناعية، ومجرد 1 في المئة في الدول الفقيرة والنامية. ويحقق كل دولار يصرف في رفع مستوى خدمات الصحة النفسية، عائداً اقتصادياً يقدر بأربعة دولارات، في شكل صحة أفضل، وقدرة على العمل، ومستوى إنتاجية أكبر. وتتضمن خدمات الصحة النفسية تلك: العلاج النفسي بالكلام، والأدوية والعقاقير الطبية المضادة للاكتئاب، أو مزيجاً من الأسلوبين. ويمكن توفير أي من الأساليب العلاجية تلك، من خلال العاملين في قطاع الرعاية الصحية، وبعد تلقي تدريب لفترة قصيرة، وبالاعتماد على «دليل التدخلات» الصادر عن منظمة الصحة العالمية المعني بالصحة العقلية (mhGAP). وبالفعل شرعت أكثر من 90 دولة حول العالم، ومن جميع مستويات الدخل، في زيادة حجم وفعالية البرامج التي توفر العلاج اللازم للاكتئاب، وغيره من الاضطرابات النفسية حسب الإرشادات المتضمنة في دليل التدخلات. ومن السهل إدراك أهمية الاستثمار في زيادة حجم وفعالية البرامج الموجهة لعلاج الاكتئاب، وباقي الاضطرابات النفسية، في ظل حقيقة كون الاكتئاب يتسبب في قدر من الإعاقة الصحية، أكبر مما يسببه السكري، أو التهاب المفاصل، أو الأزمة الشعبية، أو حتى الذبحة الصدرية. وإذا ما ترافق الاكتئاب بمرض مزمن، مثل الأمراض سابقة الذكر، يتضاعف حينها المقدار الكلي للإعاقة في حياة المريض. وهو ما يدفعنا بالضرورة للنظر إلى الاكتئاب، وغيره من الأمراض النفسية والعقلية، كمشكلة صحة عامة، أو قضية صحة مجتمع، تتطلب تضافر الجهود الحكومية والطبية، مع توفير المصادر المالية والفنية اللازمة، إذا ما أردنا خفض العبء عن المرضى والإعاقة التي تتسبب فيها هذه الأمراض.