مستشار الأمن القومي الأميركي السابق يشترط الحصانة مقابل الإدلاء بشهادته. ورئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب يذهب إلى البيت الأبيض خلسة للحصول على تقارير سرية. كل يوم تطفو على السطح معلوماتٌ جديدة في واشنطن، وكل يوم تتكشف قصة حوار أجراه شخص ما مع شخص آخر في روسيا! ولكن إذا بدا هذا أمراً عظيماً أو سخيفاً، غريباً أو غير قابل للتصديق، فإنه لا ينبغي له أن يكون كذلك. لأنه إذا خطا المرء خطوة إلى الوراء ونظر حول العالم، سيجد أن التدخل الروسي في الانتخابات الديمقراطية ليس جديداً ولا غريباً. بل على العكس: إنه موجود في كل مكان، ويلعب دوراً في كل الديمقراطيات الغربية تقريباً، كما أنه كثيراً ما يتبع الأنماط نفسَها التي اتبعها في الولايات المتحدة، وكثيراً ما يفضي إلى النتائج نفسها أيضاً. والتدخل الروسي يشمل في بعض البلدان التمويلَ، الذي لا دليل على وجوده في الولايات المتحدة. فالمرشحة الرئاسية الفرنسية مارين لوبن عن حزب «الجبهة الوطنية» اليميني المتطرف، مثلاً، كانت في موسكو الأسبوع الماضي في وقت يسعى فيه حزبها صراحة للحصول على دعم مالي روسي. ويذكر هنا أن حزبها كان قد تلقى في 2014 قرضاً بقيمة 9 ملايين يورو من بنك روسي- تشيكي، وفي 2016، أفادت معلومات هذا الأسبوع بأن لوبن تلقت 3 ملايين يورو إضافية من بنك روسي آخر، كما تلقى صندوقٌ سياسي يديره والدها، زعيمُ الحزب السابق، مليوني يورو من صندوق مدعوم من روسيا في قبرص. وغني عن البيان أن أجندة لوبن -المعادية للناتو وللاتحاد الأوروبي- تتناغم تماماً مع أجندة موسكو التي تسعى إلى تدمير المؤسسات الأوروبية والعابرة للأطلسي التي تحد من النفوذ الروسي. واللافت أن هذا الدعم لم يؤثر سلباً على مكانتها بين ناخبيها: ففي تجمع انتخابي نُظم في مدينة «ليل» قبل بضعة أيام، كان الحاضرون متحمسين ويهتفون باسمها. وأحياناً يكون التدخل الروسي أكثر تخفياً وسرية حيث ينطوي على تقديم الدعم والتدريب لمنظمات متطرفة ومن أقصى اليمين. وعلى سبيل المثل، فإن مجريّاً من «النازيين الجدد» تقول السلطات إنه قتل ضابط شرطة أواخر العام الماضي كانت لديه أسلحة عسكرية غير قانونية يزعم أن له صلات بعملاء روس. كما أن ثمة منظمات إسكندنافية يمينية متطرفة تجمعها أيضاً علاقات بتنظيمات «قومية» روسية غريبة تقوم أحياناً بإقراضها المال أو مساعدتها في التدريبات. ولكن في معظم الأحيان يتخذ التدخلُ الروسي في الانتخابات الأجنبية الأشكالَ نفسها التي اتخذها في الولايات المتحدة، حيث تقوم مواقع إلكترونية روسية تشتغل بشكل صريح («روسيا اليوم»، «سبوتنيك»)، أو تحت أسماء أخرى، بالترويج المستهدَف بفبركة أخبار زائفة أو نظريات مؤامرة، ثم تتولى مواقع، روسية أو داخلية، نشرها وإشاعتها. وفي هذا الإطار، وجد «غلوبسيك»، وهو مركز بحوث سلوفاكي يراقب وسائل الإعلام الموالية للكريملن إلى جانب شركاء في المجر وجمهورية التشيك، أن منابر إعلامية في المنطقة تقوم بنشر قصص تفيد بأن «السي آي إيه تخطط لاغتيال دونالد ترامب»، وأن «الناتو منظمةٌ إرهابيةٌ»، وأن «الاتحاد الأوروبي هو الرايخ الثالث». ولكن المستهدَف الرئيس في الوقت الراهن هو الانتخابات الفرنسية، حيث يوجد دعم صريح للوبن تقابله معارضة خفية لمنافسها الرئيسي الوسطي إيمانويل ماكرون. ومن بين المقالات الأكثر شعبية على موقع «سبوتنيك» الإلكتروني في فبراير هناك مقال يقول إن موقع «ويكيليكس» يمتلك معلومات سرية حول ماكرون (هل يبدو هذا مألوفاً؟) سيتم الكشف عنها لاحقاً. ولكن منظمة تتولى التحقق من المعلومات تابعة لصحيفة «لوموند»، تدعى «لي ديكودور» (مفككو الشفرة)، وضعت قائمة بالقصص الإخبارية الزائفة الأكثر تداولاً في الحملة الانتخابية حتى الآن. قصص تتعلق في الغالب، وعلى نحو غير مفاجئ، بالإرهاب والهجرة وماكرون. ومن بين الهجمات التي تستهدف ماكرون قصة زائفة نشرت على موقع إلكتروني مطابق تقريباً لموقع صحيفة «لوسوار» البلجيكية، يزعم أن ماكرون تلقى تمويلاً من دولة عربية! ولو كان ذلك صحيحاً، وما هو بصحيح، فإنه كان يمكن أن يساعد على صرف وتبديد بعض القلق والاستفهامات بشأن تمويل لوبن الروسي. وهناك بالطبع المزيد في إيطاليا، وأوكرانيا، وبولندا، وحتى في كندا، التي حاول فيها ثنائي غريب من «صحافيين» روسي وبولندي تشويه سمعة وزير الخارجية، الذي ينحدر من أصل أوكراني. وبدون شك سيكون ثمة المزيد في ألمانيا مع اقتراب موعد الانتخابات، وخاصة لأننا بتنا نعلم منذ بعض الوقت أن مجموعات القرصنة الإلكترونية نفسها التي كانت تعمل في الولايات المتحدة تعمل في برلين أيضاً. ولئن كنتُ في العادة أحسب نفسي ممن يؤمنون بالاستثناء الأميركي، فإنني في هذه الحالة أعتقدُ أن أميركا ليست استثناءً البتة. آن أبلباوم محللة سياسية أميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»